ولكنهم مع هذا التذكير الواعظ المرشد ، لم يهتدوا ، بل قالوا مجادلين:
{ أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} .
يستنكرون أن يجيئهم ، ليدعوهم إلى عبادة الله تعالى وحده ، و ( نذر ) ، أي نترك ما كان يعبد آباؤنا . وهكذا يذهب بهم الغلو في الكفر إلى درجة أن يعتبروا أمرا نكر ا يستحق الاستنكار أن يعبدوا الله ويتركوا ما كان عليه آباؤهم ، وهكذا قال المشركون ، عند قوله تعالى:{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( 170 )} ( البقرة ) أنذرهم هود بعذاب شديد فتحدوه أن ينزله ، وقالوا:{ فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} تحدوا هود أن ينزل الله العذاب الذي هددهم به ، وطلبوا من نبيهم أن ينزله كأن الأمر بينهم وبينه ، وذلك للاستمرار على كفرهم وجحودهم ، إذ إنهم لا يعتبرونه مرسلا من الله تعالى ، ولقد وقع بهم ما استعجلوه ، وقال لهم قبل وقوعه:{ قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان} .
وقد أنزل الله – تعالى – بهم عذابين أحدهما ( الرجس ) ، وهو الضلال الذي أدى إلى هذا الكفر ، ( وغضب الله ) وهو وحده عذاب من الله ، وسيؤدي إلى العذاب الذي نزل بهم في الدنيا والآخرة وإنه لقريب ؛ ولذا:{ فانتظروا إني معكم من المنتظرين} .
وقد اشتمل كلام هود – عليه السلام – على أمور ثلاثة هي إشارات بيانية:
أولها قوله:{ أتجادلونني في أسماء سميتموها} فهذا استفهام توبيخي على ما وقعوا من عبادة أشياء لا تنفع ولا تضر .
ثانيها – أنها لا وجود لها في ذاتها إلا أن تكون أحجارا ، ليس لها إلا أسماؤهما الباطلة التي سموا بها .
ثالثها – انه ما أنزل معهما بحجة تسوغ عبادتها ، أو قوة فيها تكون سلطانا لها .