وبعد أن أشار سبحانه إلى أن قوة المؤمنين في طاعتهم لله ورسوله واستمساكهم وتعاونهم وتضافرهم أقر بالأمر الجامع بينهم ، وهو الطاعة فقال:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ( 20 ) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ( 21 )
النداء في قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ} بالبعيد لعموم النداء ولأهمية ما يدعوهم إليه سبحانه ، وهو الدفاع عن المؤمنين والضعفاء ، والشيوخ والنساء والذرية ، نادهم بطاعة الله ورسوله ، والنداء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو الذي يجاب فمقام الله تعالى لا يتطاولون إليه ، وإنما يخاطب رسوله .
وذكر الله تعالى ( رسوله ) هنا للدلالة أولا – على أن من يطع الرسول يطع الله تعالى ، وثانيا – لأنه هو الذي ينصر ، وهو الذي يعز ويذل ، فإجابته اعتزاز بمنشئ الوجود كله ، وثالثا – لأنه المسيطر علينا وعليهم كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دعائه عند الدخول في الحرب:( اللهم إنهم عبادك ونحن عبادك ) لهذا ذكر الله تعالى قبل ذكر الرسول ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يتولى دعوتهم .
ويقول سبحانه وتعالى:{ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} .
( ولا تولوا ) بتخفيف التاءين ، وهناك قراءة بثبوت التاءين معا ( رولا تتولوا ) . والتوالي الإعراض ، أو الانصراف ، والمعنى لا تنصرفوا ، وانتم تسمعون القول ، والانصراف وهم يسمعون القول ، يتضمن معنيين:أولهما – أن يكون التولي نفسيا ، فهم يكونون سامعين ولكن غير واعين ، وغير منفذين ، ولا نقول غير مطبقين ، ولكن نقول غير مقدرين القول قدره .
وثانيهما – أن يعرضوا عن النبي وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ فيعرضوا حسيا ، وهو يتكلم ، وهم يسمعون ، وخلاصة المؤدى أن النص يطالب بثلاثة أمور:
أولها – سماعهم سماع وعي وعناية بالقول بفهمه ، وتعرف مراده .
ثانيها – ألا يعرضوا عن القول فكرا ، أو نفسا ، وأن يكونوا معه بقلوبهم ، وكل جوارحهم .
وثالثها – الطاعة المطلقة فيما لا أرى فيه ، ومراجعة النبي وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ فيما رأى في حرب ، أو مكيدة ، كما شاور النبي وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ في منزل الحرب في غزوة بدر الصحابي حباب بن المنذر رضي الله عنه . وهنا إشارة بيانية لا بد من ذكرها ، هي أن الله تعالى طالب بطاعة اله ورسوله ، وعندما نهى عن الإعراض أعاد الضمير مفردا فقال:{ ولا تولوا عنه} .
والجواب عن ذلك أن طلب الطاعة لهما ذكرنا ، ولكن النبي وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ هو الذي خاطبهم وهو المتحدث باسم ربه عنهم ، ولا يتصور أن يكون التولي عن الله تعالى ، بل التولي عنه وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ، وإن نسبة التولي منهم لله تعالى لا تليق ، وإن كانت غير ممكنة .
والنهي عن التولي ، وهم في حال يسمعون فيها ؛ ولذا قال:{ وأنتم تسمعون} فهو دعوة إلى حسن الاستماع ؛ ولذا قال تعالى مؤكدا هذا المعنى:{ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} .