لا عهد للمشركين:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( 55 ) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ ( 56 ) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ( 57 ) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ( 58 )
في هذه الآيات البينات يبين ما عليه الذين كفروا من إصرارهم على الكفر ، ونقضهم للعهد ، وما ينبغي لهم من معاملة ،وأنه إذا وجدهم في الحرب للمسلمين فيه غلب أن يضربهم ضربة قاسمة ليشرد الذين من ورائهم من قومهم أو يصيبهم الرعب ، فلا يجتمعون عليه رهبا وخوفا ، وإنه يجب توقع الخيانة منهم ومن كان يخاف خيانته ، ينبذ عهده ، ويتقي أذاه ، وقد ابتدأ سبحانه بوصف الكفر ، كيف يتدلى الكافر من مرتبة الإنسانية إلى مرتبة الدواب الحقيرة التي هي أدنى الحيوان إلى أن قال تعالى:
{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ} .
( الدواب ) جمع دابة ، وهي كل ما يدب على وجه الأرض من حشرات إلى قردة وخنازير ، إلى كلاب وحمير وخيل إلى الإنسان ، والتعبير عن الذين كفروا بالدواب حط من إنسانيتهم ؛ لأنهم أغفلوا مداركهم وصاروا كأقل الحيوان ذكرا ، ومكانا .
وليسوا فقط أحط الحياء ، بل هم أحط من أحطها فهم شر الدواب ، وهم في الدرك الأسفل من الحيوانية ، وأحط ما في هذا الدرك .
يقول تعالى مؤكدا القول:{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ} فحكم الله تعالى بأنهم أشد الحيوانات شرا ، من الحشرات التي تدب إلى الإنسان الذي خلقه الله تعالى فسواه في أحسن تقويم ، وشرهم الشديد ؛ لأنهم أتوا عقولا فشوهوا إدراكها ، وأوتوا فطرة سليمة ، فرضوا أن يعبدوا حجارة هي أحط من أحط الحشرات وجودا ؛ لأن الحشرة فيها حياة وأوثانهم لا حياة فيها ، وهم شر الأحياء لأن كل شيء حي فيه نفع ، وإن كنا لا نحصيه ، وهم شر لأنهم ظالمون ولا نفع فيهم ، وهم شر لأنهم يعاندون الخير ويعاندون الحق ويؤيدون الشر ، وإذا كان مقياس الخير والشر هو النفع في الخير ، والفساد في الشر – فالذين كفروا بمقتضى هذا القياس سلب منهم كل خير ، واتسموا بكل شر ، فكانوا شر الأحياء .
ثم قال تعالى:{ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} ( الفاء ) تفيد السببية والمعنى هم سبب كفرهم لا يؤمنون والنفي نفي متجدد للإيمان ، أي أنه قد تلبس بهم الكفر فلا يؤمنون قط ، وعبر بالمضارع لتجدد كفرهم آنا بعد آن ، وتلك حالهم ، ونفى الله عنهم الإيمان بإطلاق ، فلم ينف الإيمان بالله والرسول فقط ، بل نفى الإيمان بإطلاق فهم لا يؤمنون بحق إلا في ظل أهوائهم وشهواتهم ، ولا يؤمنون بفضيلة ، ولا يؤمنون بحق الإنسان على أخيه بل يؤمنون بالجبت والطاغوت ، لا يؤمنون إلا بالشيطان ، فعقولهم كلها للشر ، ونفوسهم سكنا الشيطان يعاضدون الظلم ، ويؤيدون الباطل ، فكانوا بهذا شر الدواب عند الله ، أي في حكم الله تعالى خالق الحياة والأحياء .