السلم
وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 61 ) وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ( 62 ) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 63 ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 64 )
إن الإسلام ما جاء للحرب ، بل جاء للسلام ، وهو يقول:{ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا . . . . . . . . . ( 94 )} ( النساء ) ، فهو دين السلام ، وما كانت الحرب إلا لتأييد السلام ، وليكون على العدل ، وقال تعالى:{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ( 251 )} ( البقرة ) .
وما حارب النبي صلى اله عليه وآله وسلم المشركين إلا بعد أن فتنوا الناس عن دينهم ، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم ، وشردوا المؤمنين ، فكان لا بد من القتال ليقعدوهم ، ويمنعوهم من هذا الظلم ، فإذا جنحوا للسلم ، وامتنعوا عن الفتنة ، فقد وال سبب القتال ، وعاد الأمر إلى أصل السلام الذي هو أساس العلاقة الإنسانية بين المسلمين وغيرهم ؛ ولذا{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} .
{ جنحوا} أي مالوا ، والضمير يعود إلى المشركين الذين وقعت الحرب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين كانوا يريدون الغارة على النبي ومن معه من المؤمنين الوقت بعد الآخر ، والذين يخاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيانتهم من وقت لآخر ، وإنهم إن كانوا كذلك ينبذ إليهم على سواء ، والسلم تكون بفتح السين كما في هذه الآية ، وتكون بكسرها ، كما في قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 208 )} ( البقرة ) .
والسلم هو السلام ، وهي مؤنثة كنقيضها ، وهي الحرب ، ولذا عاد الضمير عليها مؤنثا في قوله تعالى:{ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} ومؤدى هذا النص السامي أنهم إذا مالوا إلى السلم ، ولم يقولوه بظاهر من القول ، بل قالوه مطمئنين إلى أنه أصلح لهم ، فإنه لا مضارة منه عليهم ، ولا على المسلمين .
ومؤدى ذلك أن الإسلام يكون في قوة وعزة وغلبة أو أقرب إلى الغلب ، فإنه يجب على المؤمنين ، ولو كانوا هم الأقوياء الغالبين أن يميلوا إلى الصلح كما مالوا ، فالإسلام لا يريد الغلب لذات الغلب ، فليست فروسية ، إنما يريد دفع الأسرى وتسهيل الدعوة ، وإزالة كل العقبات المانعة للدعوة ، فإن كان ذلك بسلم فهو أولى بالأخذ والاتباع .
وقد لوحظ في الدعوة المحمدية أنها تقوي في السلم العزيمة ، ولا تضعف ، فقد حصل في فترة الحديبية أنه دخل الناس في الإسلام بعدد يعد أضعاف ما دخل فيه المسلمون من وقت البعثة المحمدية إلى وقت عهد الحديبية .
وإنه واضح من النص الكريم أن الذين جنحوا إلى السلم هم المشركون ، وأن المسلمين كان فيهم الغلب والقوة ، وقد نهى الإسلام بنص القرآن عن أن يعرض المسلمون الصلح على المشركين ، وهم في صلفهم لا يبدون ميلا للسلام ، ولذا قال تعالى:{ فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم . . . . . . . . . . . ( 35 )} ( محمد ) .
وإن التقدم بطلب الصلح في هذه الحال خنوع في وقت القوة ، والصلح في هذه الحال يمكنهم من معاودة الحرب ، والاستعداد لها .
فالصلح ، أو السلام لا يكون إلا حيث تكون شوكة العدو قد خضدت ، وفلت حدتها ، فهو صلح حيث تؤمن الحرب من بعد ؛ ولذا قال تعالى:{ وتوكل على الله} أي اجعل اعتمادك على الله تعالى وتوقع الأمن الدائم ، وأن يتجهوا إلى الحق في هدأة السلم وأن يؤمنوا ، ولقد رأوا قوة الإيمان ، وخذلان الشرك .