{جَنَحُواْ}: مالوا .
{لِلسَّلْمِ}: السلم: بفتح السين وكسرها ،الصلح .
{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} إذا مالوا للسلام وأقبلوا عليه ،وأبدوا كل الاستعداد للعيش بسلام مع المؤمنين في نطاق المعاهدات والمواثيق ،فلا ترفض ذلك ،بل حاول أن تستجيب له ،وتؤكد رغبتك فيه لتعرِّفهم بأن الحرب في الإسلام لا تنطلق من عقدةٍ ،بل من قاعدةٍ فكرية على مستوى مصلحة الإنسان والحياة ،فتكون الحرب سبيلاً لإعادة التوازن إلى الساحة لمصلحة الخير ،وعندما تقف قوة الكفر لتمنع الإيمان من ممارسة حريته في الدعوة إلى الله ،فتكون الحرب هي الطريق التي يسلكها المؤمنون لاستعادة حريتها ...وهكذا في كل موقف من مواقف الظالمين والمستكبرين الذين يريدون أن يقهروا الضعفاء بظلمهم ،ويذلُّوهم باستكبارهم .
أما إذا أراد الآخرون أن يفتحوا صفحة جديدةً للسلم ،ويفسحوا المجال للحوار مع المسلمين ،ليكون هو الوسيلة الفضلى للصراع على مستوى الفكر ،أو على مستوى الواقع ،فإن الإسلام يفتح ساحته للحوار ،وآفاقه للسلام ،ولكن لا بد من دراسة الظروف والشروط والمعطيات على أساس الحاضر والمستقبل ،لئلا تكون المسألة مسألة استغفالٍ وخديعةٍ ،تتخذ من السلام ستاراً تختفي خلفه ،وتستعد من خلاله لهجمةٍ مستقبليّةٍ قويّةٍ ،تستفيد من فرص السلام لمصلحة الحرب .فإذا أعد وليّ الأمر العدة لذلك كله ،فإن له أن يطمئن لما فعل ،على أساس وضوح الرؤية ،ولا يلقي بالاً للتهاويل ولاحتمالات الخوف التي قد تثور في النفس ،لتثير القلق والارتباك في المسيرة ،بل لا بد من التوكل على الله أمام كل تهاويل الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ...وهذا هو خط التوكّل الذي يرتكز على دراسة كل ظروف الواقع ومعطياته ،وكل شروط العمل ومقتضياته ،وكل الوسائل الواقعية للوصول إلى الأهداف ...ثم يستقبل الغيب بروحٍ واثقةٍ بالله ،متوكلةٍ عليه ،مطمئنةٍ لرحمته التي ينشرها على عباده ،الذين يأخذون بتعاليمه ويسيرون على هدى سننه في الكون ،في ربط النتائج بمقدّماتها ،والمسبّبات بأسبابها ...وهذا ما أراده لرسوله في قولهسبحانه:{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فإنه لا يخذل من توكّل عليه ،وسلّم أمره له .
{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الذي يسمع دعوات عباده في ما يحتاجون إليه ،ويعلم أوضاعهم في ما يحيطهم به من لطفه ورحمته ...