وإن الله تعالى حامي دينه ، وعاصم نبيه ، وناصر أوليائه ، وهو سميع لكل ما يقولون ، عليم بكل ما يفعلون ؛ ولذا قال تعالى:
{ وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} .
إن الإسلام يتشوق للسلم إن كانت الحرب ، كما يتشوق الجراح المخلص لإنهاء جراحة بالشفار اضطرته حال الجسم لإقامتها . فمثل الحرب في نظر الإسلام كمثل الجراحة التي يقطع بها جسم فاسد ، يخشى أن يسري فساده ؛ ولذلك إذا جنح العدو للسلم كان على المؤمن أن يبادر إلى المجاوبة على السلم بسلم غير متردد ، ولا متوان ؛ لذلك قال تعالى:{ وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ} فهذا النص فيه أمر بمنع التردد ، لشك يقوم في نية الصلح أو السلم ، إذ السلم خير كله ، ولا يمنع الخير ، لظن الخديعة ، ولذا قال تعالى:{ وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ} جعل سبحانه فعل الشرط إرادة الخديعة لا الخديعة نفسها ، وعبر في حرف الشرط ب ( إن ) الدالة على الشك ، لبيان أنه يجب إبعاد إرادة الخديعة والخديعة نفسها لقدم على السلم بقلب سليم ، وإرادة معتزمة مع اليقظة والحذر ، كما قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ( 71 )} فالإقدام على السلم يكون من غير دخل ، ولا تردد في العزيمة مع الحذر .
وجواب الشرط هو قوله تعالى:{ فإن حسبك الله} أي أن الله تعالى كافيك وعاصمك من الناس بقوته وقدرته القاهرة الظاهرة ، وقد أكد الله تعالى عصمته لنبيه وأنه عاصمه من الناس ب ( إن ) ، وبتعريف الطرفين ، وهو يفيد قصر العصمة على الله تعالى وحده ، أي أنه وحده هو العاصم لك من الناس ، ومن يحاول أن يخدعك ، فإنما يخدع الله ، والله بكل شيء عليم .
وقد أيد الله تعالى عصمته بحاضر نصرته ، والماضي نور للحاضر ، فقال:
{ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} .
إن الله تعالى وحده هو الذي أيدك بالنصر المؤزر كما كان في بدر ، فأيدك بالملائكة ، وأيدك بالإطمئنان في المعركة ، وأيدك بما كان من إلقاء الرعب في قلوبهم ، وإذ يريكموهم في أعينكم قليلا ، وأيدكم بالكلمة ، وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين فقال تعالى:{ وبالمؤمنين} فالمؤمنون اجتمعوا ولم يختلفوا ، واعتزموا ولم يترددوا ، وانتظموا في صفوف كالبنيان ، وأمدهم بالصبر ولم يهنوا ولم يحزنوا .