ولقد بين الله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم كانوا في غناء بالغنائم عن أن يأخذوا فداء ، ولذا قال:{ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .
الفاء فاء الإفصاح ، فهي تفصح عن شرط مقدر ، أي تقديره مأخوذ من حالهم عند أخذ الغنائم ، والتقدير هكذا إذا كنتم تريدون تقويتكم بالمال ، وما تأخذونه منكم ، فعندكم الغنائم ، ولذا قال:{ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .
ومعنى الأكل هنا الأخذ ، كما في قوله تعالى:{ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( 188 )} ( البقرة ) ، أي لا تأخذوه ، وعبر عن أخذ المال بالأكل ، لأن الأكل هو الأمر الضروري الذي يؤخذ لأجله المال ابتداء ، فعبر عن الشيء بأهم مسبباته ، وذلك من المجاز المرسل السائغ ، كقوله تعالى:{ إني أراني أعصر خمرا ( 36 )} ( يوسف ) ، أي أعصر عنبا يكون سبب الخمر .
وقوله تعالى:{ مما غنمتم} المراد بها الغنائم التي وزعت بحكم الله تعالى في قوله تعالى:{ واعلما أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين . . . . . . . . .} إلى آخر النص الكريم العادل ، وعلى ذلك يكون المراد هذه الغنائم ، وذكره ( من ) للدلالة على نصيب المجاهد منها ، والمعنى على هذا ما كان لكم أن يكون لكم أسرى ولم تثخنوا في الأعداء ، لتكون الغاية أن تأخذوا منهم ما تتقون به ، فإنه يكفيكم ما تأخذون من الغنائم حلالا ، لا لوم فيه ولا عتاب ، وإنه لكثير يغنيكم عما يكون فيه لوم أو عتاب تأخذونه من فداء الأسرى في أمر جاء في غير وقته ومن غير مبرراته .
وقال بعض المفسرين:إن النص لإباحة تناول الفداء باعتباره من الغنائم ، واللوم في أصل الأمر ، وإنا نرى أن الأظهر للأوضح الذي يتفق مع العتاب على أخذ الفداء ، مع الأسر ، ويكون تأكيدا للعتب وتدليلا على وجوبه .
ويقول الله تعالى بعد ذلك:{ واتقوا الله . . .} أي اجعلوا بينكم وبين الوقوع في المحظور وقاية ، فلا تفعلوا ما يغضبه . وارجوا رحمته ومغفرته{ إن الله غفور رحيم} أي كثير المغفرة يرحم الناس بمغفرته ، وقد أكد سبحانه وتعالى مغفرته ورحمته ، بصيغة المبالغة أو الصفة المشبهة في{ غفور رحيم} ، وبالجملة الاسمية ، وب ( إن ) ( اللهم اغفر لنا وارحمنا ) .