{ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .
الآية كسابقتها في موضوع الأسرى وأخذ الفداء عنهم ، وعتب الله على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شأنه وأخذ الفداء عنهم .
و ( لولا ) في قوله تعالى:{ لولا كتاب} حرف شرط امتناع لوجود ، أي امتناع الجواب لوجود الشرط ، أي امتنع أن يمسكم عذاب عظيم بوجود كتاب سبق ، والكتاب الذي سبق هو الذي عهد إلى بني آدم ألا يعذبهم حتى يبين ، ( فلا عذاب إلا إذا سبقه بيان ) ، وهو أيضا ألا عقاب على الخطأ في اللفظ كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) ( 1 ){[1189]} ، والعهد أيضا لا عقاب على الخطأ في الرأي ، وأن المخطئ في الاجتهاد له أجر ، ومن له أجر في أمر ليس عليه عقاب فيه ، فلا يجتمع الأجر والعقاب ، فلوجود الكتاب كان العفو ، وهذا الشرط وجوابه يومئ إلى أن أخذ أسرى هو في ذاته موضع مؤاخذة ، ولكن لم يكن العقاب لهذا الكتاب الذي أشرنا إليه ، فالنص يومئ إلى أن أخذ الأسرى لولا ما حف به _ لكان محل العقاب .
وعبر سبحانه وتعالى عن العذاب بقوله تعالى:{ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، فعبر عن العذاب ب ( مسكم ) ، لأن عذاب النار يمس الجلد ، وذكر العذاب ببيان أنه عذاب شديد ، ووصفه بأنه عظيم ، لأنه على قدر الذنب الموقع يكون العذاب ، والذنب لو وقع كان في الحرب ، والحرب إما هزيمة وانتصار ، ويجب ألا يكون فيها تراخ ، ولا أخذ بالهوادة ، بل إنها أخذ بالصرامة والصرامة في الحرب تمنعها ، ويرهبها الناس ؟ ، فلا يقعون في أسبابها .
وقوله تعالى:{ فيما أخذتم} من المال يوهم أن أخذ المال وحده هو السبب في هذا العقاب ، والحقيقة أن ذلك جزء من السبب وإن لم يكن جوهر السبب ؛ لأن السبب الأصلي هو أخذ الأسرى ، وتبع هذا الأخذ إن اختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الفداء تيسيرا عليهم ، واستبقاء لهم عسى أن يتوبوا ، وقد دخل في الإسلام أكثرهم واستمر على الكفر أقلهم ، والتيسير في الدعوة مطلوب لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمجاهدين:( يسروا ولا تعسروا ولا تنفروا ) ( 1 ){[1190]} .
وقلنا:إن أخذ المال جزء من سبب المؤاخذة ؛ لأن المؤاخذة هي على الأسر وما تبعه من أخذ الفداء أو إن شئت فقل إذا إن السبب أخذ المال في هذا الأسر الذي لم يسغ .
وقد قال الرازي:إن بعض المفسرين قال إن قوله تعالى:{ حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ( 4 )} ( محمد ) نسخت:{ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} ، إلى آخرها ، والحق أنه لا نسخ ، بل الآيتان متلاقيتان متضافران في الدلالة على معنى واحد وهو أنه لا أسر إلا عند الإثخان ، وإذا كان الأسر في موضعه ووقته ، فالإمام يخير بين المن من غير فداء ، والفداء بالمال ، أو مبادلة الأسرى كما بادل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسرانا بأسراهم ، فتلك شريعة محكمة باقية خالدة لا تغيير فيها ولا تبديل .