قال:وأنزل الله - عز وجل -:( لولا كتاب من الله سبق ) الآية .
وقد سبق في أول السورة حديث ابن عباس في صحيح مسلم بنحو ذلك .
وقال الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال:لما كان يوم بدر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:ما تقولون في هؤلاء الأسارى ؟ قال:فقال أبو بكر:يا رسول الله ، قومك وأهلك ، استبقهم واستتبهم ، لعل الله أن يتوب عليهم . قال:وقال عمر:يا رسول الله ، أخرجوك ، وكذبوك ، فقدمهم فاضرب أعناقهم . قال:وقال عبد الله بن رواحة:يا رسول الله ، أنت في واد كثير الحطب ، فأضرم الوادي عليهم نارا ، ثم ألقهم فيه . [ قال:فقال العباس:قطعت رحمك] قال:فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليهم شيئا ، ثم قام فدخل ، فقال ناس:يأخذ بقول أبي بكر . وقال ناس:يأخذ بقول عمر . وقال ناس:يأخذ بقول عبد الله بن رواحة . ثم خرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم ، عليه السلام ، قال:( فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) [ إبراهيم:36] ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ، عليه السلام ، قال:( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) [ المائدة:118] ، وإن مثلك يا عمر مثل موسى عليه السلام ، قال:( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس:88] ، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام ، قال:( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) [ نوح:26] ، أنتم عالة فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضربة عنق . قال ابن مسعود:قلت:يا رسول الله ، إلا سهيل بن بيضاء ، فإنه يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم ، حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:إلا سهيل بن بيضاء فأنزل الله تعالى:( ما كان لنبي أن يكون له أسرى ) إلى آخر الآية .
رواه الإمام أحمد والترمذي ، من حديث أبي معاوية ، عن الأعمش ، والحاكم في مستدركه ، وقال:صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ، عن عبد الله بن عمر ، وأبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ، وفي الباب عن أبي أيوب الأنصاري .
وروى ابن مردويه أيضا - واللفظ له - والحاكم في مستدركه ، من حديث عبيد الله بن موسى:حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال:لما أسر الأسارى يوم بدر ، أسر العباس فيمن أسر ، أسره رجل من الأنصار ، قال:وقد أوعدته الأنصار أن يقتلوه . فبلغ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس ، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه ، فقال له عمر:فآتهم ؟ قال:نعم ، فأتى عمر الأنصار فقال لهم:أرسلوا العباس فقالوا:لا والله لا نرسله . فقال لهم عمر:فإن كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضى ؟ قالوا:فإن كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضى فخذه . فأخذه عمر فلما صار في يده قال له:يا عباس ، أسلم ، فوالله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب ، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه إسلامك ، قال:فاستشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ، فقال أبو بكر:عشيرتك . فأرسلهم ، فاستشار عمر ، فقال:اقتلهم ، ففاداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله:( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) الآية .
قال الحاكم:صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وقال سفيان الثوري ، عن هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي - رضي الله عنه - قال:جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر فقال:خير أصحابك في الأسارى:إن شاءوا الفداء ، وإن شاءوا القتل على أن يقتل منهم مقبلا مثلهم . قالوا:الفداء ويقتل منا .
رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن حبان في صحيحه من حديث الثوري ، به وهذا حديث غريب جدا .
وقال ابن عون [ عن محمد بن سيرين] عن عبيدة ، عن علي قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أسارى يوم بدر:إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء ، واستشهد منكم بعدتهم . قال:فكان آخر السبعين ثابت بن قيس ، قتل يوم اليمامة ، رضي الله عنه .
ومنهم من روى هذا الحديث عن عبيدة مرسلا ، فالله أعلم .
وقال محمد بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس:( ما كان لنبي أن يكون له أسرى ) فقرأ حتى بلغ:( عذاب عظيم ) قال:غنائم بدر ، قبل أن يحلها لهم ، يقول:لولا أني لا أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه ، لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم .
وكذا روى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد .
وقال الأعمش:سبق منه ألا يعذب أحدا شهد بدرا . وروي نحوه عن سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن جبير ، وعطاء .
وقال شعبة ، عن أبي هاشم عن مجاهد:( لولا كتاب من الله سبق ) أي:لهم بالمغفرة ونحوه عن سفيان الثوري ، رحمه الله .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله:( لولا كتاب من الله سبق ) يعني:في أم الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم ، ( لمسكم فيما أخذتم ) من الأسارى ( عذاب عظيم )