{لَمَسَّكُمْ}: لأصابكم .
{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ} في عدم تعذيبكم وإهلاككم ،لأنه أراد أن يفسح لكم المجال من أجل أن تتعمّقوا في المعرفة التي تفتح لكم باب التجربة الحية الواعية ،التي تتعامل مع النتائج المستقبلية للأحداث بدلاً من النتائج الحاضرة السريعة ،ولولا ذلك اللطف الإلهي الذي شملكم بعفوه ورحمته ،{لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ} من الأسرى ،{عَذَابٌ عَظِيمٌ} ،لأن القضية تتعلق بالخطورة الكبيرة التي يمثلها هذا التصرف الخاطىء ،في نتائجها السلبية على الموقف .
سؤالان تثيرهما الآية
وهنا سؤالان:
الأول: كيف يستحقّ هؤلاء العذاب العظيم في ما لم يتقدم إليهم فيه نهيٌ من الله ؟فان العقاب لا يصح عقلاً بدون بيان صادر من الله .فنحن نعرف أن القضية جديدة عليهم ،فلم يتحدث التشريع إليهم بتحريم أخذ الأسرى ؟!
والجواب عنه بأحد وجهين:
الأول: إن الآية واردةٌ في مقام الحديث عن عظمة الخطأ الذي يستوجببطبيعتهالعذاب العظيم ،لا في مقام التهديد لهم بالعذاب .وقد يكون رفع العذاب عنهم لوجود المانع فيه من جهة عدم البيان .
الثاني: إنهم قد يستحقّون العذاب لأنهم لا يملكون حرية التصرف في المعركة من دون استشارة النبي في ذلك بصفته القيادية ،في ما يُصدر من أوامر ونواهٍ تتعلق بسير الحرب ،وبصفته الرسالية في ما يبيّنه من تشريعات تتعلق بأحكام المقاتلين مع الأعداء في ساحة القتال ،وليس لهم أن يعتذروا عن تصرفهم الخاطىء بالقاعدة العقلية بقبح العقاب من دون بيان ،لأن موردها صورة ما بعد الفحص والسؤال وعدم الوصول إلى نتيجةٍ معه ،لا صورة ما قبل السؤال مع التمكن منه ،فإن التصرف المحرَّم في ذاته غير مبررٍ في هذا المجال ،فهم يستحقون العقاب في ما أخطأوا به ،ولكن الله رفعه عنهم برحمته ولطفه .
السؤال الثاني: إن الآية ربما توحي بأنها موجهةٌ إلى النبي ،كما يظهر من قوله تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} فقد يستفاد منها أن الخطاب متوجهٌ إليه ،للتنبيه بأن عليه أن يسلك سلوك الأنبياء من قبله في ما كانوا يخوضونه من معارك ،لأنه ليس بدعاً من الأنبياء ،وبذلك فليس له سنّةٌ غير سنّتهم .وإذا كان الأمر كذلك ،فقد يتنافى هذا مع مبدأ العصمة في ما توحي به من مخالفةٍ للتعاليم الإلهية بعد العلم ،لأنه لا بد له من أن يكون على معرفةٍ بالمبدأ العام للحرب ،مما قد بيَّنه الله له ،إذ لا يمكن أن ينطلق في حربٍ لا يعرف أحكامها ؟!
والجواب عن ذلك ،أنه لم يظهر من الآية أنَّ الخطاب موجّهٌ إلى النبي( ص ) ،بل هو موجّهٌ للمقاتلين الذين أسروا المشركين طمعاً بالفداء .أمّا الحديث عن النبي في فقرة:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} ،فربما يكون من جهة أنه قائد المعركة الذي يتحرك الجيش باسمه ،وينعكس وضع المعركة عليه ،لأنها تُنسب إليه ،مما يحمِّل المسلمين مسؤولية ما يقومون به من أعمالٍ وتصرفات غير مسؤولة ،فكأنّ الله يريد أن يقول لهم: إذا لم يكن من سنّة الأنبياء أن يكون لهم أسرى في بدايات التحرك ،فكيف تريدون للنبي أن يكون له ذلك ؟!وهذا ما يظهر من جوِّ الآيات التي تتحدث عن المسلمين آنذاك ،بأنهم يفكرون بالدنيا وبمتاعها أكثر مما يفكرون بالآخرة ،كما في قوله تعالى:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخرةَ} .مما لا يتناسب مع روحية النبي( ص ) الذي جاء من أجل أن يقرب الناس من الآخرة ويبعدهم عن الدنيا .