وقد عبر سبحانه عن إرادة الشوكة والقوة بقوله:{ ليحق الحق} أي أراد سبحانه وتعالى ذات الشوكة ، ليقوى الحق ويثبته ويؤيده ويؤكده ، وليكون له الكلمة العليا ، وتكون كلمة الذين كفروا هي السفلى ، فمعنى إحقاق الحق إعطاؤه حقه من التأييد والتثبيت والنصر والاستعلاء على الباطل وخفض نقيضه . وذكر الله تعالى نتيجة إحقاق الحق وليقطع دابر الكافرين ؛ وذلك لأن نمصر الحق وإعلاءه خبص ( 1 ){[1150]}للكفر شيئا فشيئا ، حتى تذهب قوته ليجتث من أرض العرب اجتثاثا ، وعبر سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله تعالت كلماته:{ ويقطع دابر الكافرين} الدابر هو الخلف ، وعبر بذلك كناية عن أن لا يبقى من الكافرين من يجهر بكفره ، ويعاند الله تعالى ، ويستعلي عليه ، وذلك فيه تشبيه للكفر بالجيش الذي يولى مدبرا ، ويقاتل بقناه ( 2 ){[1151]} حتى يقضى عليه بقطع أدباره والقضاء عليه .
هذا ما أراده الله تعالى ، وذلك ما كانوا يودونه ، وقد أراد الله تعالى لهم العزة ، فكان النصر المؤزر ، وكانوا قليلا فكثرهم الله ، وقوله:{ بكلماته} ، أي بالقرآن الذي هو حجة ، فالتأييد تأييد للقرآن الكريم .
ثم أكد سبحانه معنى تأييد الحق ، فذكر أنه سنة الله في تأييد الإيمان ، وإبطال الشرك وهو الباطل:فقال عز من قائل:
{ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} .
( اللام ) هنا لام العاقبة ، وهي تدل على الباعث على القتال ، و ( الحق ) هنا هو الدين الثابت ، و( الباطل ) هو الشرك المفترى ، والمعنى لتكون عاقبة القتال الذي هو الحق المؤيد للحق الذي أراده الله ، وهو ذات الشوكة أن يثبت الحق ثبوتا دائما مستمرا ما دام أهل الإيمان مستمسكين ، ويبطل الشرك وهو الباطل مستمرا ،{ ولو كره المجرمون ( 8 )} ولو كان ذلك رغم المجرمين الذين يجرمون في الأرض فيفسدون فيها ولا يصلحون ونجد هنا أن المجرمين مكرهون على قبول ما يقع ، ولو كان وبالا .
وعبر هنا بالمجرمين ، وفي الآية السابقة بقطع دابر الكافرين ، وذلك لتنوع عنادهم وتعدد صوره ، فهم كافرون لجحودهم مع قيام البينات ، وهم مجرمون مفسدون لفتنتهم المؤمنين ، فإذا كان الكفر تعديا على أنفسهم ، وهم به كافرون ، فالفتنة تعد على غيرهم ، وهم بها مجرمون .
والحق الذي أحقه الله وثبته هو الجهاد وطلب ذات الشوكة ، ولذا اقترن بها قطع دابر الكافرين ، والحق الثاني هو الدين الحق ، وتثبيته وإبطال الباطل ، وهو منع الفتنة ، كما قال تعالى:{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} . ( الأنفال:39 ) .