{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ( 7 ) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ( 8 )} .
لقد أراد الله تعالى أن يعز الإسلام ، ويضع الحواجز المانعة من أن يستمر الشرك في غيه ، لقد طاوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وصابره في مكة ، وتحمل أذاه حتى كون الله للإسلام شوكة في المدينة دار الإيواء والنصرة ، فكان لابد من بعد ذلك من وضع حد للطغيان ، ووقف للفتنة فكان لا بد من القتال . كانت عير لمكة تذهب إلى الشام وتمر على المدينة أو على مقربة من المدينة وكانت فيها أموال كثيرة لقريش ، فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذها المسلمون بدل الأموال التي أخرجوا منها ، ولأنه لا سلم بينهم ، ولأنهم أباحوا دماء المسلمين في مكة وأموالهم ، فكان حقا أن تباح دماؤهم وأموالهم ، خرج نحو ثلاثمائة لمصادرة العير ، فانفلت بها المشركون وعلى رأسها أبو سفيان ، ولكنه كان قد أرسل إلى مكة يستنفرها لتحمي عيرها ، فنفرت بجيش كبير اتجه إلى بدر ، ومع أن العير قد نجت فقد أصر الحمقى من المشركين على غزو المدينة ، ونسوا الآل والرحم فكان اللقاء أمرا لابد منه .
ولقد كان بعض المؤمنين ، وخصوصا الذين أخذت أموالهم يودون العير ، ولم يريدوا القتال لأنها غنيمة أتت إليهم ، وأنفلهم الله إياها ، ولأن القتال كره لهم ، والنفس المؤمنة رقيقة تكره الدماء ، وكما قال تعالى:{ كتب عليكم القتال وهو كره لكم} ( البقرة:216 ) وإن كان خيرا في مثل حال المشركين معهم ولذلك كانوا يريدون العير ، لا الحرب ، وتلك هي الفطرة وقال تعالى:
{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} .
وعد الله تعالى إحدى الطائفتين إما طائفة العير وإما طائفة النفير ، والطائفة هنا الجماعة ، والمراد هنا جماعة العير يأخذونها بما معها من مال ، أو جماعة الحرب يقتلون ويأسرون فيهم ، ويغنمون أموالهم ، ولكن فيها الشوكة والقوة وإذلال المشركين .
وهم يودون السهلة الهينة الخالية من الدماء ، ولكن ليس فيها شوكة ، ويختار الله تعالى لهم ما فيه الشوكة .
وعبر عن القوة بالشوكة عل سبيل المجاز ؛ لأن نتيجة الحرب ستكون رهبة للمشركين تجعلهم يتحفظون في معاملة المسلمين ، ولا يقدمون على إيذائهم إلا إذا أقدموا على أمر خطير يشوكهم قبل أن ينالوه ، فلا يكون طعمة تؤكل أو تنتهز ، الفرص لأكلها .
وقد عبر الله سبحانه وتعالى عن إرادتهم العير بقوله تعالت كلماته{ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ} أي تودون العير وهي تعطيكم مالا ، ولا يكون لكم بأخذها قوة ترهبهم ، فهي ما لا حماية ولا عزة فيها ، وعبر سبحانه وتعالى عن إرادتها بقوله:{ وتودون} أي تحبون مائلين للعير ، للمعاني التي ذكرناها .
وفي هذا التعبير إشارة إلى معنى من معاني العتب ، وتنبيه إلى أن الواجب هو طلب القوة ، لمن كان المشركون يستضعفونهم ، فيبدل الله تعالى من خوفهم أمنا ، ومن استضعافهم قوة ، وتمكينا في الأرض ؛ ولذلك يقول الله تعالى:
{ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} .
عبر الله تعالى بقوله يودون في جانبهم ، وعبر بقوله{ يريد الله} دون ( يود ) للإشارة إلى أن ذلك من جانب الله إرادة ، وإرادة الله نافذة وهي المصلحة وهي الخير ، وكان التعبير في جانبهم بقوله:{ وتودون} للإشارة إلى انه مجرد ود ، ولم يصر إرادة ، وكيف يريدون ما لم يرد اله تعالى ، وكيف وهم المؤمنون حقا وصدقا ، وإرادة الله إعلاء لهم ، وميلهم ميل إلى ما هو أدنى .