/م5
{ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} تولى الله تعالى إقامة الحجة عليهم بالحق فيما جادلوا فيه رسوله بالباطل ووجه الخطاب إليهم بعد أن كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم فقال واذكروا إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين –العير أو النفير- أنها لكم ، وهذا التعبير آكد في الوعد من مثل:وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم .لأن هذا إثبات بعد إثبات ، إثبات للشيء في نفسه ، وإثبات له في بدله .
{ وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} أي وتحبون وتتمنون أن الطائفة غير ذات الشوكة وهي العير تكون لكم لأنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا .والشوكة الحدة والقوة ، وأصلها واحدة الشوك شبهوا بها أسنة الرماح ، ثم أطلقوها تجوزا على كل حديد من السلاح ، فقالوا:شائك السلاح وشاكي السلاح .وإنما عبر عنها بهذا التعبير للتعريض بكراهتهم للقتال ، وطمعهم في المال .
{ ويريد الله أن يحق الحق بكلماته} أي ويريد الله بوعده غير ما أردتم ، يريد أن يحق الحق الذي أراده بكلماته المنزلة على رسوله أي وعده لكم إحدى الطائفتين مبهمة وبيانها له معينة مع ضمان النصر له{ ويقطع دابر الكافرين} المعاندين له من مشركي مكة وأعوانهم باستئصال شأفتهم ومحق قوتهم ، فإن دابر القوم آخرهم الذي يأتي في دبرهم ويكون من ورائهم ، ولن يصل إليه الهلاك إلا بهلاك من قبله من الجيش ، وهكذا كان الظفر ببدر فاتحة الظفر فيما بعدها إلى أن قطع الله دابر المشركين بفتح مكة ، وما تخلل ذلك من نيلهم من المؤمنين في أحد وحنين فإنما كان تربية على ذنوب لهم اقترفوها كما قال تعالى في الأولى:{ أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [ آل عمران:165] إلى أن قال:{ وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} [ آل عمران:141] وقال في الثانية:{ ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا} إلى قوله{ ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [ التوبة:26] الخ .
قال في الكشاف:يعني أنكم تريدون الفائدة العاجلة وسفساف الأمور وأن لا تلقوا ما يرزؤكم في أبدانكم وأموالكم والله عز وجل يريد معالي الأمور وما يرجع إلى عمارة الدين ونصرة الحق وعلو الكلمة والفوز في الدارين ، وشتان ما بين المرادين ، ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة ، وكسر قوتهم بضعفكم ، وغلب كثرتهم بقلتكم ، وأعزكم وأذلهم ، وحصل لكم ما لا تعارض أدناه العير وما فيها .