/م7
التّفسير
والآن وبعد أن عرفنا باختصار كيف كانت غزوة بدر ،نعود ثانية إلى تفسير الآيتين .
في الآية الأُولىمن الآي محل البحثإشارة إلى وعد الله بالنصر في معركة بدر إجمالا ،إذ تقول الآية: ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنّها لكم ) .
لكنكم لخوفكم من الخسائر وأخطار وبلايا الحرب لم تكونوا راغبين فيها ( وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) .
وقد جاء في بعض الرّوايات الإِسلامية أن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لهم: «إحدى الطائفتين لكم ،إمّا العير وإمّا النفير » .
وكلمة العير تعني القافلة ،والنفير يعني الجيش .
إلاّ أنّهكما يلاحظ في الآية الكريمة ،أنّ التعبير جاء بذات الشوكة مكان الجيش والنفير ،وبغير ذات الشوكة مكان القافلة أو العير .
وهذا التعبير يحمل في نفسه معنى لطيفاً ،لأن الشوكة ترمز إلى القدرة وتعني الشدّة ،وأصلها مأخوذ من الشوك ،ثمّ استعملت هذه الكلمة «الشوكة » في نصول الرماح ،ثمّ أطلق هذا الاستعمال توسعاً على كل نوع من الأسلحة ،ولما كان السلاح يمثل القوّة والقدرة ،والشدّة فقد عُبر عنه بالشوكة .
فبناءً على هذا فإنّ ذات الشوكة تعني الجماعة المسلحة ،وغير ذات الشوكة تعني الجماعة غير المسلحة ،ولو اتفق أن يوجد فيها رجال مسلحون فهم معدودون لا يكترث بهم .أي أن فيكم من يرغب في مواجهة العدو غير المسلحة ،وذلك بمصادرة أموال تجارته ،وذلك ابتغاء الراحة أو حبّاً منه للمنافع المادية ،في حين أن الحرب أثبتت بعد تمامها أن الصلاح يكمن في تحطيم قوى العدو العسكرية ،لتكون الطريق لاحبةً لانتصارات كبيرة في المستقبل ،ولهذا فإنّ الآية تعقب بالقول ( ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ){[1528]} .
فعلى هذا ،كانت واقعة بدر درساً كبيرا للمسلمين للإفادة منه في الحوادث الآتية ،ويؤكّد لهم أن يتدبروا عواقب الأمور ،ولا يكونوا سطحيين يأخذون بالمصالح الآنية ،وبالرغم من أنّ بعد النظر يقترن بالمصاعب عادة ،وقصر النظر على العكس من ذلك يقترن بالمنافع المادية والراحة المؤقتة ،إلاّ أنّ النصر في الحالة الأُولى يكون شاملا ومتجذّراً ،أمّا في الحالة الثّانية فهو انتصار سطحي موقت .
ولم يكن هذا درساً لمسلمي ذلك اليوم فحسب ،بل ينبغي لمسلمي اليوم أن يستلهموا من ذلك التعليم السماوي ،فعليهم ألاّ يغضوا أبصارهم عن المناهج الأصولية بسبب المشاكل والأتعاب ويستبدلوها بمناهج غير الأُصولية قليلة الأتعاب .