{الشَّوْكَةِ}: الحدّ والقوة .
{دَابِرَ} الأمر: آخره .ودابر القوم: عقبهم .
الله يعد المسلمين إحدى الطائفتين
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} .فقد بشّرهم رسول الله( ص ) أنهم سيلتقون بالطائفة التي تصاحب القافلة المحمّلة بالأموال ،أو بالطائفة المقاتلة التي تحمل السلاح ،وهي المقصودة بذات الشوكةأي ذات السلاحوستكون لهم إحداهما ،إما بالحصول على المال والاستيلاء على القافلة ،وإمّا بالانتصار على الفئة المقاتلة .وهكذا أرادهم الله أن ينطلقوا إلى المعركة بروح الثقة بالحصول على النتائج الإيجابية على أيّة حال ،سواء كانت المعركة معركة المواجهة مع الذين يحمون القافلة التجارية ،أو كانت معركة المواجهة مع الفصائل المقاتلة من قريش .{وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} ...لأنهم كانوا يودون عدم الدخول في معركة مسلّحة ،لأن النصر فيها لا يتحققعادةبدون خسائر ،لا سيما إذا كان العدو قوياً في عدده وعدّته ،وكان المقاتلون ضعفاء فيهما معاً ،كما كان عليه حال المسلمين في معركة بدر .
درسٌ قرآنيّ في كيفية الاستعداد للقتال
وهكذا نعرف من خلال ذلك ،أن الاستعداد للقتال لم يكن منسجماً مع الحالة النفسية الكارهة للقتال ،المحبّة للسلامة .وتلك هي نقطة الضعف الكامنة في الداخل ،التي كانت تستيقظ في بعض الحالات ،لتثير فيهم نوعاً من التردُّد والاهتزاز الذي لا يلبث إلاّ قليلاً ،ثم يفعل الإيمان فعله ،ليثبِّت المؤمنين ويقودهم إلى المسيرة الظافرة في طريق الجهاد والشهادة .وهكذا يثير القرآنفي آياتهالأجواء الذاتية في داخل المسلمين وخارجهم ،فيحدّثنا عن نقاط الضعف ،في حديث توعيةٍ وتنبيهٍ وتحذير ،من أجل مراقبة ذلك كلّه في أنفسنا ،لنواجه حالات الاهتزاز الداخلي والخارجي بالمزيد من عوامل التركيز والتثبيت ،فإن الإنسان الذي لا يكتشف نقاط ضعفه ،لا يستطيع تنمية عناصر قوته ،لأن الهروب من وعي المشكلة لا يهزمها ،بل يعقّدها ويشلُّ فيها إمكانية الحلّ ...وهذا هو السبيل الذي يريد الإسلام للمسلم أن يسير فيه: أن يواجه الواقع كما هو ،فيعترف بسلبياته وإيجابياته .ثم يعالج السلبيات من مواقع الإيجابيات ،لينتهي إلى النصر والفلاح من موقع المواجهة القوية ،بكل ما تستلزمه من آلام وتضحيات ،لأن ذلك هو الوسيلة الفعلية لإحقاق الحق وتحويله إلى قوةٍ متحركة في الواقع .
إرادة الله تعالى إحقاق الحق وقطع دابر الكافرين
{وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} ويثبّته بوحيه وسننه في الكون ،ليكون هو المهيمن على حركة الحياة ،وتكون قيادته الرسولية هي الحاكمة لها في كلّ خطوط السير .{وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} ويستأصلهم باستئصال قوّتهم العسكرية والسياسية ،ويهدم عنادهم وكبرياءهم ،ويهزم كل مواقع التحدي التي يواجهون بها المسلمين .ولا بدّ للوصول إلى هذا الهدف ،من معارك ضارية يقف فيها المسلمون في خط المواجهة للكافرين المعتدين ،لأن القوة لا بد من أن تجابه بالقوة ،كما أن عملية النصر ليست دعاءً يدعو به الداعون في مواقف الخشوع في الصلاة ،وليست تمنياتٍ يحلم بها الحالمون في ما يعيشونه من أحلام اليقظة والمنام ،بل هي موقف صمودٍ وصبرٍ وهجومٍ ودفاعٍ ومواقف للتحدّي المضاد الذي يرد التحديات ويواجهها بتحدّياتٍ مماثلة ،فإذا عاش الإنسان حالة الضعف قليلاً في تلك المواقع ،كان الدعاء سبيل قوّة روحية يستمدها من ارتباطه بالله ،وكان النصر حلماً روحياً يتحرك في خط الواقع وحركته ،في تطلّعٍ خاشع نحو الغيب القادم من لطف الله ورحمته .