/م5
{ يجادلونك في الحق بعدما تبين} قال بعض العلماء إن هذه الآية نزلت في مجادلة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدين والتوحيد .وهي بهم أليق ، ولكن ما قبلها وما بعدها في بيان حال المؤمنين وما كان من هفوات بعضهم التي محصهم الله بعدها فتعين كونها فيهم وفاقا لأبي جعفر ابن جرير فيه وفي رد ذلك القول ومشايعة ابن كثير له ، وذكر أن مجاهدا فسر الحق هنا بالقتال وكذا ابن إسحاق وعلل الجدال فيه بقوله:كراهية للقاء المشركين وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا لهم .وبيان ذلك أن المسلمين كانوا في حال ضعف فكان من حكمة الله تعالى أن وعدهم الله أولا إحدى طائفتي قريش تكون لهم على الإبهام فتعلقت آمالهم بطائفة العير القادمة من الشام لأنها كسب عظيم لا مشقة في إحرازه لضعف حاميته ، فلما ظهر أنها فاتتهم وأن طائفة النفير خرجت من مكة بكل ما كان عند قريش من قوة وقربت منهم وتعين عليهم قتالها إذ تبين أنها هي الطائفة التي وعدهم الله تعالى إذ لم يبق غيرها ، صعب على بعضهم لقاؤها على قلتهم وكثرتها ، وضعفهم وقوتها ، وعدم استعدادهم للقتال كاستعدادها ، وطفقوا يعتذرون للنبي صلى الله عليه وسلم اعتذارات جدلية بأنهم لم يخرجوا إلا للعير لأنه لم يذكر لهم قتالا فيستعدوا له ، كأنهم يحاولون إثبات أن مراد الله تعالى بإحدى الطائفتين العير بدليل عدم أمرهم بالاستعداد للقتال ، ولكن الحق تبين بحيث لم يبق للجدال فيه وجه ما- لا بأن يقال إن طائفة العير مراد الله تعالى فإنها نجت وذهبت من طريق سيف البحر ولو كانت هي المرادة لما نجت ، ولا بأن يقال إننا لم نعدّ للقتال عدته فلا يمكننا طلب الطائفة الأخرى- فإنه مهما تكن حالها فلا بد من الظفر بها لوعد الله تعالى فلم يبق لجدالهم وجه إلا الجبن والخوف من القتال ولذلك قال:{ كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} أي كأنهم من فرط جزعهم ورعبهم يساقون إلى الموت سوقا لا مهرب منه لظهور أسبابه حتى كأنهم ينظرون إليه بأعينهم ، وهي ما ذكرنا من التفاوت بين حالهم وحال المشركين في العدد والعدد والخيل والزاد ، ولكن الله تعالى وعد رسوله والمؤمنين الظفر بهم ، وهذا دليل قطعي لا يتخلف عند المؤمن الموقن ، وما تلك إلا أسباب عادية كثيرة التخلف ، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، وهكذا أنجز الله وعده وكان الظفر التام للمؤمنين .وقد بين تعالى ذلك كله بقوله:
{ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم}