/م5
قال تعالى:{ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} أي أن الأنفال لله يحكم فيها بالحق ولرسوله يقسمها بين من جعل الله لهم الحق فيها بالسوية ، إن كره ذلك بعض المتنازعين فيها ، والذين كانوا يرون أنهم أحق بها وأهلها ، فهي كإخراج ربك إياك من بيتك بالحق للقاء إحدى الطائفتين من المشركين في الظاهر ، وكون تلك الطائفة هي المقاتلة في الواقع ، والحال أن كثيرا من المؤمنين لكارهون لذلك لعدم استعدادهم للقتال أو له ولغيره من الأسباب التي تعلم مما يأتي .
هذا ما أراه المتبادر من هذا التشبيه وقد راجعت بعض كتب التفسير فرأيت للمفسرين فيها بضعة عشر وجها أكثرها متكلف وبعضها قريب ولكن هذا أقرب وقد بسطه الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري باعتبار غايته وما كان من المصلحة فيه وهو حق في نفسه ولكن اللفظ لا يدل عليه ، وذكره الزمخشري مبنيا على قواعد الإعراب .
ولا يظهر المعنى تمام الظهور في الآيات إلا ببيان ما وقع من ذلك وأجمعه رواية محمد بن إسحاق قال:حدثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير ، وغيرهم من علمائنا عن عبد الله بن عباس ، كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا:لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا وكان أبو سفيان قد استنفر حين دنا من الحجاز من يتجسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أمر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك ، فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمر الغفاري فبعثه إلى أهل مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه .
فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى بلغ واديا يقال له ذفران فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن ، ثم قام عمر رضي الله عنه فقال فأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله به فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى{ اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} [ المائدة:24] ولكن اذهب أنت وربك إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أشيروا علي أيها الناس ) وإنما يريد الأنصار ، وذلك أنهم كانوا عدد الناس وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من غير بلادهم .فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال له سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال:( أجل ) فقال فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أمرك الله فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما يتخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله .
فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال:( سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ) .