كيف واجه المسلمون الدعوة إلى معركة بدر ؟
في هذه الآيات عرضٌ للأجواء النفسية التي كانت تسود الواقع الإسلامي ،عندما انطلقت دعوة النبي محمد( ص ) إلى الخروج معه من أجل مواجهة قريش بالضغط الاقتصادي ،وذلك بالتعرّض للقافلة التجارية التي كان يقودها أبو سفيان ،لمصادرتها والاستيلاء عليها ،ومنع قريش من حرية التحرك في الطريق التجاري بين مكة والشام ،كوسيلةٍ من وسائل إضعافها ،وكنوعٍ من استعراض القوّة الإسلاميّة في منطقةٍ تتميّز بعدم الخضوع إلا للقوّة ...وقد كانت هذه الفرصة الوحيدة آنذاك للمواجهة بطريقةٍ غير مباشرة ،لأنَّ في ذلك تحدياً بالقوة للهيمنة القرشية على المنطقة التي كانت تتحرك من أجل السيطرة على الإسلام .وقد تثاقل فريق من المؤمنين ،في الاستجابة لنداء النبيّ ودعوته ،وكرهوا الخروج معه ،لأنهم كانوا لا يزالون يهابون القوة القرشية ،ويخافون مواجهتها .وربما كانوا يعتقدون أن الوقت لا يزال مبكراً للدخول في معركةٍ عسكرية مع قريش ،لأن المسلمين لم يكونوا قد استجمعوا قوتهم بالمستوى الذي يمكنهم من الانتصار ،أو يضمن لهم عدم الهزيمةعلى الأقلالأمر الذي يجعل من هذه العملية ،شيئاً يشبه العملية الانتحارية .وهذا ما توحي به هذه الآيات .
الخروج إلى قافلة قريش بأمر الله تعالى
{كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} ربما كان موقع التشبيهبالكافعلى أساس التعلّق بما يدل عليه قوله تعالى:{قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ،والتقديركما يقول صاحب تفسير الميزان«أنَّ الله حكم بكون الأنفال له ولرسوله بالحق مع كراهتهم له ،كما أخرجك من بيتك بالحق مع كراهة فريقٍ منهم له ،فللجميع حق يترتب عليه من مصلحة دينهم ودنياهم ما هم غافلون عنه » .وهذا الوجه معقولٌ ،ولكنه غير ظاهر من الكلام بطريقةٍ واضحةٍ .أما كلمة «بالحق » ،فقد توحي لنا بالهدف الذي كان يحكم التحرك النبوي في اتجاه القافلة القرشية ،فقد كان بأمر الله لا برأي شخصيّ للنبيّ .وإذا كانت المسألة كذلك ،فإن الله لا يأمر إلا بالحركة المرتكزة على أساس الحق في ما تمثله الكلمة من الارتباط بالهدف الكبير من قوة الإسلام وانتشار أمره وثبات مواقعه .
بعض المؤمنين يكرهون الخروج
{وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} لهذا الخروج ،نتيجة تجمّع عناصر الضعف الإنساني لديهم ،كحبِّ الراحة ،وحبِّ الحياة ،والخوف من النتائج السلبية ...مما يبعدهم عن معنى الإيمان الذي يفرض عليهم الالتزام بأمر الله ونهيه .