وقد ذكر الله تعالى أوصافا للمؤمنين فقال تعالت قدرته:{ التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين112} .
هذه أوصاف ثمانية للمؤمنين تبين سلامة نفوسهم ، ورقابتهم عليها لدوام تطهيرها ، فكلما صدأت أزالوا صدأها ، يتجه آحادهم إلى جماعتهم يزيلون ريبها ، ويطهرون مجتمعها ، ويجعلون لها رأيا عاما فاضلا يلتزم حدود الله تعالى التي حدها .
ولنتكلم بكلمات موجزة مشيرة إلى تطهير أرواح المؤمنين:
الصفة الأولى أنهم{ التائبون} ، وهم الذين يراقبون أنفسهم وتشتد فيهم قوة النفس اللوامة ، فهم كلما أحسوا بأمر يدنس أمرها ، أو يكون فيه شك ، أو يكون غيره أولى ، أو تركه أولى ، تابوا فهم يراقبون أنفسهم ، يتوبون دائما إلى ربهم منيبين إليه ، وكأن في يدهم مكيالا مملوءا ماء يزيل أي دنس يعتري نفوسهم بالتوبة كما يطهر أي غبار يقع على الثوب .
والوصف الثاني{ العابدون} بالقيام بحق الله تعالى ، يعبدون الله كأنهم يرونه ، فإن لم يكونوا يرونه فهم يشعرون بأنه يراهم ، والوصفان"التائب والعابد"، مقترنان أولهما للتخلية والثاني للتحلية .
والوصف الثالث{ السائحون} أكثر المفسرين على أن السائحين هم الصائمون فقد ورد في الأثر:"إن سياحة أمتى الصوم"{[1282]} ، ولكن نرى أنه الجهاد في سبيل الله ، فقد روى أبو أمامة أن رجلا استأذن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في السياحة فقال صلى الله تعالى عليه وسلم:"إن سياحة أمتى الجهاد في سبيل الله"{[1283]} .
وقال بعص العلماء إن المراد السياحة في طلب العلم .
وإننا نقول:الجمع بين الآراء أن نقول السياحة تشمل كل سياحة في سبيل الله ، فتشمل السياحة في الجهاد ، والسياحة في نشر الإسلام ، والسياحة في تعرف أحوال المسلمين ، كما تشمل سبح الفكر سائحا في ملكوت الله تعالى .
والوصفان الرابع والخامس{ الراكعون الساجدون} قالوا إن هذين الوصفين لإقامة الصلاة ، وهي ذكر الجزاء وإرادة الفعل ، فالصلاة قيام وقعود ، وركوع وسجود ، وقراءة ودعاء ، واختص الركوع والسجود بالذكر ؛ لأنهما الوصفان اللذان يتجلى فيهما معنى الصلاة ، لأن إقامة الصلاة بإحسان الخضوع والخشوع لله تعالى . وإن إخلاص القلب بخضوعه الكامل ، وتفويضه التام هو إقامة الصلاة ، وكنى به عن معنى الإقامة فيكون من المعقول أن يعبر بركنى الركوع والسجود عن الصلاة ، وبهما يتحقق ما اختصت به الصلاة من أنها تنهي عن الفحشاء والمنكر ، ويتحقق فيها ذكر الله تعالى .
بعد أن بين سبحانه الأوصاف التي تربي نفوسهم قلبيا واجتماعيا ، ذكر صفتين تطهر مجتمعهم ، وتجعل الفضيلة دائما هي السائدة .
وهاتان الصفتان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولذا قال تعالى:{ الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} ، إن المجتمع الفاضل يقوم على الأمر بالمعروف ، أي كل ما هو معروف لا تنكره العقول السليمة ، والنهي عن كل أمر تنكره العقول السليمة ، فإن المجتمع الفاضل ظل لكل خلق سليم ينمو في ظله الوارف ، ولذا كانت أمة محمد أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال تعالى:{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم . . .110}( آل عمران ) .
والوصف الثامن قوله تعالى:{ والحافظون لحدود الله} الحد ما يحده الشارع فاصلا بين الحلال والحرام ، ومعنى حفظه حمايته وصونه ، ومن ذلك قوله تعالى:{. . .تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون 229}( البقرة ) .
ويطلق الحد في عرف الفقهاء على كل عقوبة ذكرها الله تعالى للجرائم التي تعد اعتداء على حق الله تعالى ، أو كما يعبر في لغة العصر بحق المجتمع ، فالحدود عقوبات على الرذائل وحماية للفضائل .
وتدخل الحدود بهذا المعنى الفقهى الخاص في ضمن حدود الله التي تفرق بين الحلال والحرام ، وحفظها وصونها ومراعاتها ، وألا يعتدى عليها .
وختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله ، بيانا لعاقبة الإيمان ، وهي نيل الخير والاطمئنان في الدنيا والجنات في الآخرة ، ورضوان من الله أكبر ، ولذا قال تعالى:{ وبشر المؤمنين} أي بشرهم بحسن الجزاء كما ذكرنا ، والله سبحانه وتعالى عنده حسن المآب ، وكانت( الواو ) في قوله تعالى:{ والحافظون} لبيان أن هذا نوع مغاير لما سبقه وإن هذا جزاء المؤمنين ، والمشركون لهم عذاب الجحيم ، ولا يستغفر لهم أحد ، إنما القربى بالأعمال ، لا بالقرابة ، ولذا قال تعالى:{ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم 113} .