:{ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم 113} .
{. . .كل امرئ بما كسب رهين 21}( الطور ) ،{. . . .لا تجزي نفس عن نفس شيئا . . .48} ( البقرة ) ،{ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 39} ( النجم ) ، تلك قواعد قرآنية توجب ألا يغني عمل إنسان عن إنسان غيره ، ولقد كان بعض المؤمنين لمحبة رابطة بين أحد المؤمنين والمشركين يطلب المؤمن المغفرة لمن يحبه من المشركين لرحم جامعة أو قرابة رابطة ، أو لمودة موصلة ، فنهى الله نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك هو ومن معه من المؤمنين ، فقال تعالى:{ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}أي أصحاب قربى قريبة ، فقربى مؤنت أقرب ، أي ولو كانوا آباءهم او ابناءهم ، وقد رد الله تعالى استغاثة نوح لابنه ، وقال:{. . .إنه عمل غير صالح . . .46}( هود ) .
يقول{ ما كان للنبي . . .} ، أي ما ساغ له ، وما صح للنبي الذي يدعو إلى الحق أن يستغفر لمن يصد عنه ، ويعانده ، ويقاومه ، ما دام قد ضل لا يحل الاستغفار له إذا مات على ضلاله ، ولقد روى أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال في حال شدة قومه عليه في واقعة أحد عندما كسرت ثنيته:"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، ألا يعد هذا استغفارا ؟ ويرد على ذلك بأن دعوة الني صلى الله تعالى عليه وسلم دعوة بالمغفرة التي تلازمها التوبة ، والتوبة محتملة وقريبة ، ماداموا أحياء ، فإذا ماتوا فقد انقطعت التوبة وصاروا من أصحاب النار ، وهذا موضع النهي ، فالاستغفار للأحياء يجوز لرجاء التوبة ، والاستغفار دعوة بها ، والتعبير للمشركين في قوله تعالى:{ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} .
والتعبير بالمشركين لبيان عدم شفاعة ربهم ، وضلالهم في أن جعلوا الأحجار أندادا لله تعالى ، وقوله تعالى:{ ولو كانوا أولي قربى} أي مهما ربطتكم بهم الروابط كما ذكرنا ، وذلك لتوثيق المنع ، وتأكيده .
وقوله تعالى:{ من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} أي ما كان للنبي والمؤمنين أن يستغفروا للمشركين من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ، وذلك بوفاتهم مشركين معاندين لرب العالمين ، فإنه بعد الوفاة لا رجاء في توبتهم ، حتى يستغفر لهم ، ولذلك قالوا:إن الأحياء من المشركين يجوز الاستغفار لهم ، لأنه طلب المغفرة لهم ، وطلب المغفرة يستدعي الدعاء لهم بالتوبة ، والدعاء بالتوبة جائز ، وأما الاستغفار لمن مات فقد تبين أنه في الجحيم ، ولا توبة ، لأنه انتقل من دار التكليف إلى دار الحساب والجزاء ، وفي قوله تعالى:{ من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} ملاحظتان بيانيتان:
الأولى:في قوله تعالى:{ من بعد ما تبين} فإنها تشير إلى ما فعلوا من أذى عاينوه ، وعناد قاوموا به الحق ، ثم ماتوا وهم كارهون للحق وأهله مقاومين كافرين بالله ورسوله .
الثانية:في التعبير ب{ أنهم أصحاب الجحيم} ، أي الذين يلازمونها ، والتعبير يشعر بأنهم مقصورون عليها ومقصورة عليهم أي لا يتجاوزونها أبدا ، وهي لازمة لهم ولأمثالهم .