{ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ان إبراهيم لأواه حليم 114} .
نهى الله تعالى نبيه والمؤمنين عن أن يستغفروا للمشركين ، وقد استغفر إبراهيم لأبيه في فترة من الزمان ؛ لأنه كان يرجو ان يتوب ويغفر له ، ولكن تبين له بعد ذلك أنه عدو لله ، وإن هذه الإشارة الموجزة تؤكد نهي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه أن يستغفروا للمشركين .
وقوله:{ إلا عن موعدة وعدها إياه} وتلك الموعدة ما صرح به في سورة مريم ومحاجته مع أبيه ، فقد قال تعالى في هذه المحاجة{ واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا41 إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا42 يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا 43 يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا 44 يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا45 قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا46 قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا47وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوربي عسى ألا اكون بدعاء ربي شقيا 48}( مريم ) .
هذه الموعدة التي وعدها لأبيه ، لأنه كان يرجو أن يتوب ، وأن يغفر له الله تعالى ، فالاستغفار كان بطلب المغفرة التي تجيء التوبة لازمة لها ، والتوبة محتملة ، وممكنة ؛ لأنه كان حيا ، فلما تبين له استمراره على غيه ، وعداوته لله بصناعة الأوثان التي تعبد من دون الله تبرأ منه . وجاء في سورة الممتحنة ، فقد قال تعالى:{ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه اذقالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير4} ( الممتحنة ) .
وعد إبراهيم بالاستغفار لأبيه ، ولما مات مشركا ، وهو على غيه في صناعة الأصنام وعبادتها ، تبرا منه وصارت مثلا للمؤمن في تبرؤه من أبيه الذي كان إبراهيم له برا ، ويراد له الهدية .
ثم بين الله تعالى الباعث النفسي الذي بعثه على الاستغفار لأبيه رجاء توبته ، وبعدها المغفرة{ إن إبراهيم لأواه حليم} الأواه كثير التأوه لرقة قلبه وشدة إحساسه ، وفرط محبته لأولي قرباه ، وحليم عاقل صبور مدرك لمن ينبغي أن يرحم ، ومن يتبرأ منه ، والله غفور رحيم .