وهذا قوله تعالى:{ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ( 26 )} .
{ ثم} هنا معناها ؛ لأنه كانت مدة بعد الاضطراب وعادت السكينة ، ولبعد ما بين الاضطراب والفزع والسكينة ، وقد أنزلها برحمة منه ، بعد أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جمع أسبابها ، وتلافى أسباب الفشل ، واتخاذ أسباب النصر بأن جمع المؤمنين الذين لهم سابقات في النصر وانحازوا إليه واتخذهم قوة الحق واتقاء الهزيمة . وأضاف سبحانه وتعالى السكينة والاطمئنان إليه سبحانه ؛ لأن ما يكون من الله لا يتغير ولا يحول ، ولا يتبدل فهي سكينة ثابتة قائمة ، تؤتى ثمارها وغايتها .
وقال سبحانه:{ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} بتكرار{ على} للدلالة على أن السكينة عامة ولم تخص ، وتأكيدها بالنسبة للمؤمنين ، وعبر سبحانه بالمؤمنين ، ولم يقل المسلمين للإشارة إلى أن هذه السكينة كانت خاصة بالذين آمنت قلوبهم ، واطمأنت بالإيمان نفوسهم .
وقد أيد الله المؤمنين بالملائكة مبشرة بالنصر القريب ، وأن لهم الفوز والغلب ، والجنود الذين لم يروهم هم الملائكة الذين ملئوا قلوبهم بالطهر والعزم والصبر ، وتلك أدوات الحرب ، فالأداة الأولى للحرب الطهر والإيمان والعزم والصبر والتوكل على الله تعالى ، وألا يغتر المجاهد بعدة ، ولا عدد .
ولقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والشديدة شديدة ، أخذ حصيات ورمى بها وجوه الكفار ثم قال:( انهزموا ورب محمد ) ، ويروى أنه قال:( شاهت الوجوه ) .
ثم قال تعالى:{ وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} عذب الله الذين كفروا في هذه المعركة بأن هزمهم هزيمة ، وقد لاح برق الانتصار في أولها ، ولكن كان الزعم القاصم الذي صك الآذان صكا عنيفا ، وأشد على النفس وقعا ، أمل النصر ، ثم وقع الهزيمة من بعد ، وفوق ذلك فقد كان النصر بقتل ذريع داهم مستمر .
ولقد ساقوا أموالهم كلها ليثور حماسهم برؤيتها ، فغنمها المسلمون جميعها ، فكأنهم ساقوها ليأخذها المسلمون غنيمة باردة ، وساقوا نسائهم وأولادهم ليزدادوا حماسة برؤيتهم ، فسباهم المسلمون وأذلوهم بسبيهم فكأنهم كانوا يعدون المائدة للمؤمنين .
هذا هو العذاب الدنيوي ، هزيمة وقتل ، وإذلال بالسبي ، وأخذ الأموال غنائم غير مردودة ، وإذا كان السبي قد رفق بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمره ، فالمال قد وزع بين المجاهدين ، وأخذ منه المؤلفة قلوبهم ما أخذوا .
وختم الله تعالى الآية بقوله تعالى:{ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} ( ذلك ) الإشارة إلى ما ارتكبوا من تدبير ، وأن ذلك رد كيدهم في نحورهم فقد دبروا وبيتوا ، ووضعوا الكمائن ، وساقوا أموالهم ونساءهم وذرياتهم فجازاهم الله تعالى ذلك بأن هزمهم ، وغنمت أموالهم ، وسبيت نساؤهم ، وذلك بسبب كفرهم .