ولهذا قال تعالى:( ثم أنزل الله سكينته على رسوله ) أي:طمأنينته وثباته على رسوله ، ( وعلى المؤمنين ) أي:الذين معه ، ( وأنزل جنودا لم تروها ) وهم الملائكة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير:
[ حدثنا القاسم قال] حدثني الحسن بن عرفة قال:حدثني المعتمر بن سليمان ، عن عوف - هو ابن أبي جميلة الأعرابي - قال:سمعت عبد الرحمن مولى ابن برثن ، حدثني رجل كان مع المشركين يوم حنين قال:لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين لم يقوموا لنا حلب شاة - قال:فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم ، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء ، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه ، فقالوا لنا:شاهت الوجوه ، ارجعوا . قال:فانهزمنا ، وركبوا أكتافنا ، فكانت إياها .
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي:أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني محمد بن أحمد بن بالويه ، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الحارث بن حصيرة ، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال:قال ابن مسعود - رضي الله عنه -:كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ، فولى عنه الناس ، وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار ، قدمنا ولم نولهم الدبر ، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة . قال:ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته يمضي قدما ، فحادت بغلته ، فمال عن السرج ، فقلت:ارتفع رفعك الله . قال:ناولني كفا من التراب . فناولته ، قال:فضرب به وجوههم ، فامتلأت أعينهم ترابا ، قال:أين المهاجرون والأنصار ؟ قلت:هم هناك . قال:اهتف بهم . فهتفت بهم ، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم ، كأنها الشهب ، وولى المشركون أدبارهم .
ورواه الإمام أحمد في مسنده عن عفان ، به نحوه .
وقال الوليد بن مسلم:حدثني عبد الله بن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن شيبة بن عثمان قال:لما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قد عري ، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما ، فقلت:اليوم أدرك ثأري منه - قال:فذهبت لأجيئه عن يمينه ، فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائما ، عليه درع بيضاء كأنها فضة ، يكشف عنها العجاج ، فقلت:عمه ولن يخذله - قال:فجئته عن يساره ، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، فقلت:ابن عمه ولن يخذله . فجئته من خلفه ، فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف ، إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق ، فخفت أن تمحشني ، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى ، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال:يا شيب ، يا شيب ادن مني اللهم أذهب عنه الشيطان . قال:فرفعت إليه بصري ، ولهو أحب إلي من سمعي وبصري ، فقال:يا شيب قاتل الكفار .
رواه البيهقي من حديث الوليد ، فذكره ثم روى من حديث أيوب بن جابر ، عن صدقة بن سعيد ، عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال:خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ، والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به ، ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ، فقلت وأنا واقف معه:يا رسول الله ، إني أرى خيلا بلقا ، فقال:يا شيبة ، إنه لا يراها إلا كافر . فضرب بيده في صدري ، ثم قال:اللهم اهد شيبة ، ثم ضربها الثانية ، ثم قال:اللهم اهد شيبة ، ثم ضربها الثالثة ثم قال:اللهم اهد شيبة . قال:فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه ، وذكر تمام الحديث في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى هزم الله المشر .
قال محمد بن إسحاق:حدثني والدي إسحاق بن يسار ، عمن حدثه ، عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال:إنا لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ، والناس يقتتلون ، إذ نظرت إلى مثل البجاد الأسود يهوي من السماء ، حتى وقع بيننا وبين القوم ، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي ، فلم يكن إلا هزيمة القوم ، فما كنا نشك أنها الملائكة .
وقال سعيد بن السائب بن يسار ، عن أبيه قال:سمعت يزيد بن عامر السوائي - وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد - فكنا نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين ، فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن ، فيقول:كنا نجد في أجوافنا مثل هذا .
وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد فالله أعلم .
وفي صحيح مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق أنبأنا معمر ، عن همام قال:هذا ما حدثنا أبو هريرة قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:نصرت بالرعب ، وأوتيت جوامع الكلم .
ولهذا قال تعالى:( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين )