{ وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ( 56 )} .
( الواو ) تدل على صلة هذه الجملة بالتي قبلها ؛ لأن الكلام كله في المنافقين ، وشعورهم نحو المؤمنين ، يحاول أولئك المنافقون أن يشعروا المؤمنين بأنهم منهم في شعورهم وإحساسهم ، واتجاههم ليستطيعوا أن يثبتوا فيهم ما يريدون من خداع وان يفتنوهم عن دينهم ، ويدسوا فيهم الخوف وضعف العزيمة ، و ذريعتهم الحلف بالله العظيم ، وذلك يدل على مهانتهم في ذات أنفسهم ، كما قال تعالى:{ ولا تطع كل حلاف مهين ( 10 )} ( القلم ) .
وموضع القسم أنهم منكم ، ولذا يقول تعالى:{ وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ} ويؤكدون ادعاءهم لا بالنطق فقط ، بل بغير ذلك ( بأنهم لمنكم ) فيؤكدون ب ( إن ) وباللام التي في خبرها ، يؤكدون ذلك فضل تأكيد . والله يشهد أنهم ليسوا منكم بشعورهم وإحساسهم ، بل تفرقت القلوب بينكم وبينهم بسبب نفاقهم ، كما قال تعالى:{ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( 1 ) اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ( 2 )} ( المنافقون ) .
وقد قال تعالى مردفا هذا الادعاء بما يدل على الدافع لهم على هذا الحلف{ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} الفرق:الخوف . الاستدراك في قوله تعالى:{ وَلَكِنَّهُمْ} هو استدراك من حلفهم ، ويفيد عدم تصديقهم تأكيدا لقوله تعالى:{ وَمَا هُم مِّنكُمْ} وخوفهم من ناحيتين ، أولاهما خوفهم من المؤمنين من أن يعرفوا حالهم ، وينكشف أمرهم ، وهو مكشوف ، وهم يظنونه مستورا ، وغرارة المنافق دائما أنه يحسب دائما أن أمره مستور ، وهو معلوم ولا يجهل كشفه إلا هو ، والثانية أنهم يخافون أن يغامروا في جهاد مع المؤمنين ، إذ يحسبون الجهاد مغامرة ، لأنهم لا يؤمنون به ، ولا يحسبون أن الجهاد حياة في عزة ، ولا يؤمنون بالحياة الآخرة ، فيحسبون أن النهاية تكون عند الموت وأنهم يجعلون أنفسهم من المؤمنين ، ولا يقولون أنهم معهم ، بل يقولون إنهم من المؤمنين ، وادعاؤهم أنهم منهم يتضمن أنهم مؤمنون ، وأنهم جزء من المجتمع الكريم أو بعضه ، ذلك إيغال في دعوى أن شعورهم كشعورهم ، ولو مع ادعائهم ذلك يضيقون بجوارهم للمؤمنين ، ويريدون أن يفارقوهم ، ولذا قال تعالى:{ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ( 57 )} .