وقد أشار سبحانه إلى الهلاك الذي نال من سبقوهم فقال تعالى:{ ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون70} .
بعد أن ذكر أمر من سبقوهم ، وأنهم جعلوا حياتهم لاهية لا يقدرون فيها تبعات ، ويحسبون أن حياتهم أن يستمتعوا بخلاقهم ولا يقدرون لهذه الحياة ما بعدها ، والآن يذكر لهم سبحانه بعض أعيان من كان مثلهم ، ممن يسيرون في ديارهم ويرون آثارهم في أرضهم ، وعلموا بالتواتر علم اليقين أخبارهم ، فقال تعالى:{ ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات} .
الاستفهام هنا إنكاري لإنكار الوقوع ، وهو يدل على تأكيد الخبر ، وهو بمعنى النفي الداخل على النفي ، والمعنى مع التوبيخ والتأكيد:لقد أتاكم نبأ من قبلكم ، النبأ:الخبر العظيم الشأن ، وهذا خبر عظيم الشأن لمن تأمل مغزاه وما يهدي إليه ، وهو نبأ قوم نوح ، وكيف كفروا ، فأغرقهم الله ، ولم ينج إلا قليل هم الذين اتبعوه وآمنوا به ، وما آمن إلا قليل ، وعاد وقد أهلكتهم الظلة ، وثمود ، وقد أرسل الله تعالى عليه ريحا صرصرا عاتية ، والمؤتفكات ؛ وهي القرى التي بعث فيها لوط عليه السلام ، وسميت مؤتفكات ، لأنها انقلبت على أهلها ، من ائتفك أي انقلب ، وقيل هي في سدوم ، وقد قال في انقلابهم بعد أن أمر لوط وأهله إلا امرأته أن يسري بقطع من الليل ، ولا يلتفت منهم أحد:{ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود82 مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد83}( هود ) .
وقد أشار سبحانه إلى هلاك الكافرين الذين جحدوا بآيات الله تعالى قوما قوما ولم يعذبهم في الدنيا إلا بعد الإنذار الشديد إليهم ، كما قال تعالت كلماته:{. . . . وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا15} ( الإسراء ) وقد بعث الله تعالى الرسل إليهم قبل هلاكهم لكيلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، فقال تعالى:{ أتتهم رسلهم بالبينات} ، أي أتتهم رسل الله ، بعثهم إليهم بالبينات أي بالآيات الدالة على صدقهم ، وأضيفت الرسل إليهم ، وهي رسل الله للإشارة إلى مزيد العناية بهم من حيث إن الرسل جاءت إليهم خاصة ، وخاطبتهم بما يهديهم إلى الحق ، ومعهم الأدلة الدالة على الرسالة مستقيمة لا عوج فيها ، وبذلك قامت الحجة عليهم ، فإن آمنوا فعن بينة ، وإن كفروا فعن جحود بعد أن قامت عليهم الحجة .
ولذا قال تعالى:{ فما كان الله ليظلمهم} اللام في{ ليظلمهم} لام الجحود ، أي تفيد تأكيد النفي في قوله:{ فما كان} أي ليس من شأن الله تعالى أن يظلمهم ، فقد أقام الحجة عليهم ، وقد تأكد بنفي ظلم الله تعالى بما النافية ، ولام الجحود ، و{ كان} الدالة على استمرار النفي ، أي أنه ليس من شأن الله ولا من كماله أن يظلمهم ،{ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} الاستدراك من عموم النفي ، وإثبات ظلمهم لأنفسهم ، وتقديم أنفسهم على يظلمون يفيد تأكيد ظلمهم لأنفسهم ، وفيه ما يفيد أن ظلمهم يعود إلى أنفسهم ، فلا يظلمون إلا أنفسهم ، والله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يظلمهم .