/م67
{ ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات} هذا استفهام تقرير وتوبيخ لمن نزلت فيهم الآيات من الكفار والمنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، يذكرهم بالأقوام الذين ضلوا من قبلهم ووصلت إليهم سيرتهم ، وكانوا أشد قوة وأكثر أموالاً وأولاداً منهم ، والمؤتفكات جمع مؤتفكة من الائتفاك وهو الانقلاب والخسف وهي قرى قوم لوط .وقد فصل التنزيل قصصهم في عدة سور ، وبين هنا خلاصة نبأهم ومحل العبرة فيه بقوله:
{ أتتهم رسلهم بالبينات} أي فأعرضوا عنها وعاندوا الرسل ، فأخذهم العذاب وهو الطوفان الذي أغرق قوم نوح ، والريح العقيم التي أهلكت عاداً قوم هود ، والصيحة التي أخذت ثمود ، والعذاب الذي هلك به النمروذ الذي حاول إحراق إبراهيم ، والخسف الذي نزل بقرى قوم لوط وهم فيها .
{ فما كان الله ليظلمهم} ما كان ليفعل كذا معناه ما كان من شأنه ، وهو يتضمن نفي الفعل بدليله ، فهو أبلغ منه ، أي فما كان من سنة الله ولا من مقتضى عدله وحكمته أن يظلمهم بما حل بهم من العذاب وقد أنذرهم وأعذر إليهم ليجتنبوه .
{ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} بجحودهم وعنادهم ، وعدم مبالاتهم بإنذار رسلهم .والمراد من ضرب هذا المثل للكافرين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والمنافقين أن سنة الله في عباده واحدة لا ظلم فيها ولا محاباة ، فلا بد أن يحل بهم من العذاب ما حل بأمثالهم من أقوام الرسل إن لم يتوبوا ، كما قال:{ أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر}[ القمر:43] .
وأما قوم محمد صلى الله عليه وسلم فقد أهلك الله تعالى أكابر الجاحدين المعاندين منهم في أول غزوة هاجموهم فيها وهي غزوة بدر ، ثم خذل الله من بعدهم في سائر الغزوات{ وأخرج الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من ديارهم وقذف في قلوبهم الرعب} [ الأحزاب:26] ،{ يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار} [ الحشر:2] ، ثم صار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ، وأما المنافقون فما زالوا يكيدون له في السر ، حتى فضحهم الله تعالى بهذه السورة في آخر الأمر ، فتاب أكثرهم ، ومات زعيمهم عبد الله بن أبيّ بغيظه وكفره ، ولم تقم للنفاق قائمة من بعده ، وسيأتي في هذه السورة نبأ موته ، ولو بقي لهم قوة يكيدون بها للإسلام لما خفي أمرها على المؤرخين ، فكان قوم محمد صلى الله عليه وسلم بهذا التمحيص خير أقوام النبيين ، نشر الله تعالى بهم أعلام هذا الدين ، فسادوا به جميع العالمين ، ولولا ما أحدثه الروافض المنافقون ، والخوارج المغرورون ، من الشقاق بين المسلمين ، لعمت سيادة الإسلام جميع العالمين .