أحوال المؤمنين وصفاتهم
وبعد أن بين الله تعالى مآل المنافقين والكافرين الذي أدت إليه أعمالهم ، قال في أعمال المؤمنين وثوابهم:
قال تعالى:وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
ذكر الله تعالى أن المنافقين والمنافقات بعضهم من بعض أي من جنس بعض ، ولم يقل أنهم أولياء ؛ لأن الولاء يقتضي المحبة والنصرة ، والمنافق لا يحب أحدا ، ولا ولاء له لأحد ، بل هو خب لئيم{[1]} يتربص للناس الدوائر ، وإن وافق غيره يكون ممالأة ، ولا يكون إخلاصا ، ومن لا يخلص للحق لا يخلص لشيء ، ومن لا يخلص لله لا يخلص لأحد .
ولكن بالنسبة للمؤمنين والمؤمنات ، قال سبحانه وتعالى:{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} الأولياء جمع ولي ، والولي هو النصير ، والمحب ، والوالي هو الذي يجعل عزه عزة لمن يواليه ، وعبر عنهم بأنهم أولياء ؛ لأنهم جمعتهم الرحمة والمودة ، والإخلاص لله تعالى وللحق ، وجماعتهم وأسرهم تقوم على الفضيلة ، والإخلاص والتراحم؛ لأنهم صغت قلوبهم لله تعالى ، ولانت أفئدتهم له سبحانه ، فهم مرتبطون برباط معنوي لا ينفصم ، وما تربطه المادة يقبل التحطيم أو القطع ، وما يربط الولاء والمودة لا تنفصم عراه ؛ لأنه مربوط بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، فهي رباط المؤمنين الذين يستمسكون به .
وقد وصف الله تعالى المؤمنين بصفات الإيمان وتقويه .
وأول وصف هوالامر بالمعروف والنهي عن المنكر
وثاني وصف هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله:{ ويقيمون الصلاة} أي يؤدونها مقومة مستقيمة بخشوع وخضوع ، وحضور لجلال الله تعالى في أداء أركانها من قيام وركوع وسجود ، لا أن ينقروا نقرا ، وهي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ويتحقق فيها قوله تعالى:{. . .إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون} ( العنكبوت ) .
وثالث الأوصاف هو في قوله تعالى:{ ويؤتون الزكاة} والزكاة هي المعاونة الاجتماعية التي يتعاون فيها الناس ، فالغني يعين الفقير ، كما يعين القوي الضعيف ، وهي الماعون الذي ذكره سبحانه وتعالى في قوله:{ فويل للمصلين4 الذين هم عن صلاتهم ساهون 5 الذين هم يراؤون 6 ويمنعون الماعون7}( الماعون ) ، فالزكاة هي المعاونة التي فرضها الله على الأغنياء للفقراء ، يعتقدها المؤمن مغنما ولا يحسبها مغرما .
والوصف الرابع ذكره سبحانه بقوله تعالت كلماته:{ ويطيعون الله ورسوله} أي طاعة غير متململين فيها بتكليف ، ولا مظهرين الطاعة ومضمرين العصيان ، يطيعون بقلوبهم وجوارحهم ، وينفذون أوامر الله تعالى في كل شئونهم ، وشئون الجماعة المؤمنة ، وعلى رأسها الجهاد .
إذا كان المؤمنون يقومون بهذه الواجبات ، ويتصفون بهذه الصفات فقد حكم الله تعالى لهم بقوله تعالت كلماته:
{ أولئك سيرحمهم الله} الإشارة إلى الصفات التي اتصفوا بها من أنهم أولياء يناصرون بعضهم بعضا ، وأنهم يطهرون نفوسهم بالصلاة ، وجماعتهم بالزكاة ، ويتواصلون بالمودة ، ويحمون أنفسهم بالجهاد في سبيل الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبسبب هذه الأوصاف يرحمهم الله تعالى ، فيتآزرون ويجتمعون ويتحابون ، وأي رحمة أعلى من ذلك ، والسين- هنا وفي كل مكان تذكر فيه في القرآن- للدلالة على تأكيد الوقوع .
وقد قال في ذلك الزمخشري:السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة ، فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد ، كما في قولك:سأنتقم منك يوما – تعني أنك لا تفوتني ، وإن تباطأ ذلك ، ونحوه{. . . سيجعل لهم الرحمن ودا96}( مريم ) ،{ ولسوف يعطيك ربك فترضى5}( الضحى ) ،{. . .سوف يؤتيهم أجورهم . . .152}( النساء ) .
فالسين سوف ، يدلان على وقوع الفعل في المستقبل القريب والبعيد ، ويؤكدان وقوعه ، كما أشرنا إلى ذلك في مقام ذكرهما فيما مضى من كلامنا في معاني القرآن العظيم .
وقد بين سبحانه وتعالى قدرته على تنفيذ وعده ووعيده فقال:{ إن الله عزيز حكيم} العزيز هو القادر الغالب ، مربي العزة في النفوس والجماعة ، والحكيم هو الذي يضع كل أمر في موضعه .
وقد قدر الله أن عزة الجماعة تكون بترابطها وتوادها ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد ، والاستعداد له ، والإقبال عليه بنفوس راضية ، وقلوب مؤمنة ، ومن تخلف عنه ، فقد ذل بعد عزة ، وتفرق بعد اجتماع ، والله ولي المؤمنين .