وإنهم يعاهدون ويخلفون ، ويكذبون حاسبين أن الله تعالى لا يحصى ما يفعلون ، ويدبرون ويعاهدون ، والله عليم بهم ، ويحسبون أنهم يخدعون الله ، والله خادعهم ، ولذا قال تعالى:{ ألم يعلمون أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب78} .
الاستفهام إنكاري بمعنى النفي مع التوبيخ ، و( لم ) نافية ، ونفى النفي إثبات ، والمعنى يعلمون علما لا مرية فيه أن الله تبارك وتعالى يعلم سرهم ونجواهم ، والسر ما يكون في النفس ويجرى في العقل ، وتحدثهم به نفوسهم ، والنجوى ما يتناجون به ويتشاورون ، ولا يعلنونه جهارا بين الناس ، أي أن الله يعلم ما في نفوسهم وما ينوونه ، فهو عالم أنهم عند وعدهم بما وعدوه النبي صلى الله عليه وسلم وعاهدوه عليه ، ويعلم أنهم لن يوفوه العهد ؛ لأن الله تعالى يعلم ما كان وما يكون وما ينوون وما يعلنون ، وهومحيط بكل شيء ، وعليم بكل شيء .
وهذا النص الكريم يفيد أن الله عندما عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم عهدهم{ لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن} أنهم لن يوفوا بعهدهم الذي عاهدوه مخترين{[1254]} ، وأخلفوا مختارين ، ولكن الله تعالى تركهم في غيهم يعمهون .
وأكد سبحانه بأن الله أحاط بكل شيء ، بقوله تعالى:{ وأن الله علام الغيوب} عطف هذا المصدر على ألم يعلموا ، أي أنهم يعلمون أن الله تعالى يعلم سرهم ونجواهم ، وأن الله تعالى علام الغيوب ، يعلم ما استكن في نفوسهم من إرادة النفاق والكذب ، وأنهم لن يوفوا .
وعلام الغيوب صيغة تؤكد علم الله تعالى الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا في كتاب ، وهو يعلم خافية الصدور ومكنون النفوس ، يعلم الغيوب كلها ما مضى وما يجئ ، وهو السميع العليم البصير القاهر فعال لما يريد .