وقد بين سبحانه وتعالى هوان هذه النفوس فقال تعالت كلماته:{ رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون87} .
وإذا كان أولوا الطول والسعة والقوة في أبدانهم قد قالوا{ ذرنا نكن مع القاعدين} ، ولا تستنفرنا في جهادك الذي بعدت فيه الشقة وعظمت فيه المشقة فقد رضوا بان يكونوا مع الخوالفوالوالف جمع خليفة ، وهي المرأة المتخلفة عن الجهاد ، ويطلق على ما لا خير فيه ، أي أنهم رضوا أن يكونوا كالنساء القاعدات في البيوت ، والأشياء التي لا خير فيها ولا منفعة ، أي رضوا بحياة الدعة والاسترخاء ولو كان معها الذلة ، وتركوا حياة الكد والتعب ولو كان فيها العزة .
وقال تعالى:{ وطبع على قلوبهم} أي أنه بهذه الحال وأخواتها ، مما فروا فيها من الجهاد فرار الجبناء ، فسدت نفوسهم ، وأغلقت قلوبهم عن حب الخير والعيش الكريم ، وبنى للمجهول للإشارة إلى الأسباب المتراكمة التي توالت على نفوسهم ، وطبعتها على النفاق ، فطبع مع النفاق الذلة والاستهزاء والكذب ، وإخلاف الوعد ، وإن مدوا أعناقهم للذلة .
إن النفاق يولد الجبن ، والجبن يولد المذلة والكذب وكل قبائح النفس ، ولذا قال تعالى:{ فهم لا يفقهون}و( الفاء ) تفيد ترتب ما بعدها على ما قبلها؛ لأن طبع القلب على النفاق يفسد الفكر ، فلا ينظر إلى عواقب الأمور ، ولا ما تنتهي إليه ، وأعيد الضمير في قوله تعالى:{ فهم} لتأكيد وصفهم ، وثبوت حالهم ، والفقه كما ذكرنا هو العلم بلباب الأمور وغايتها ، فهم لم يعرفوا أن موقفهم لو سلك المؤمنون مسلكه لذلوا ، ولذهبت ريحهم ، ولم يدركوا أنهم بما يفعلون يقون أنفسهم من شقة الجهاد ، ولكن يكونون مهينين في الدنيا ، وتنالهم جهنم وبئس المصير .