قوله تعالى:{وَحُصِّلَ مَا في الصُّدُورِ} .
قيل: حصل أي أُبرز .قاله ابن عباس .
وقيل: ميز الخير من الشر .
والحاصل من كل شيء ما بقي .
قال لبيد:
وكل امرئ يوماً سيعلم سعيه *** إذا حصلت عند الإله الحصائل
والمراد بما في الصدور الأعمال ،وهذا كقوله:{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} .
ونص على الصدور هنا ،مع أن المراد القلوب ؛لأنها هي مناط العمل ومعقد النية .
والعقيدة وصحة الأعمال كلها مدارها على النية ،كما في حديث:"إنما الأعمال بالنيات "وحديث:"ألا إن في الجسد مضغة ،إذا صلحت صلح الجسد كله "الحديث .
وقال الفخر الرازي: خصص القلب بالذكر ؛لأنه محل لأصول الأعمال .
ولذا ذكره في معرض الذم ،فإنه{آثِمٌ قَلْبُهُ} ،وفي معرض المدح{وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} .
ويشهد لما قاله قوله:{إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} .
وقوله:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} .
وقال:{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ} .
وقوله:{أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ،ونحو ذلك .
ومما يدل على أن المراد بالصدور ما فيها هو القلب .
قوله:{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} .
وقال الفخر الرازي: نص على الصدور ليشمل الخير والشر ؛لأن القلب محل الإيمان .
والصدر محل الوسوسة لقوله تعالى:{الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ} .
وهذا وإن كان وجيهاً ،إلا أن محل الوسوسة أيضًا هو القلب ،فيرجع إلى المعنى الأول ،واللَّه أعلم .