قوله تعالى:{فَمَن جاءه مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} الآية .
معنى هذه الآية الكريمة أن من جاءه موعظة من ربه يزجره بها عن أكل الربا فانتهى أي: ترك المعاملة بالربا ؛خوفًا من اللَّه تعالى وامتثالاً لأمره{فَلَهُ مَا سَلَفَ} أي: ما مضى قبل نزول التحريم من أموال الربا ،ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن اللَّه لا يؤاخذ الإنسان بفعل أمر إلا بعد أن يحرمه عليه ،وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ،فقد قال في الذين كانوا يشربون الخمر ،ويأكلون مال الميسر قبل نزول التحريم:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ} الآية .
وقال في الذين كانوا يتزوجون أزواج آبائهم قبل التحريم:{وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مّنَ النّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} ،أي: لكن ما سلف قبل التحريم فلا جناح عليكم فيه ونظيره قوله تعالى:{وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} .
وقال في الصيد قبل التحريم:{عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف} الآية .
وقال في الصلاة إلى بيت المقدس قبل نسخ استقباله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} ،أي: صلاتكم إلى بيت المقدس قبل النسخ .
ومن أصرح الأدلة في هذا المعنى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم والمسلمين لما استغفروا لقربائهم الموتى من المشركين وأنزل اللَّه تعالى:{مَا كَانَ للنبي وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجحيم 113} ،وندموا على استغفارهم للمشركين أنزل اللَّه في ذلك:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} ،فصرح بأنه لا يضلهم بفعل أمر إلا بعد بيان اتقائه .