قوله تعالى:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} الآية .
لا يخفى أن الواو في قوله:{وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} محتملة في الحرفين أن تكون عاطفة على ما قبلها ،وأن تكون استئنافية .ولم يبين ذلك هنا ،ولكن بين في موضع آخر أن قوله{وَعَلَى سَمْعِهِمْ} معطوف على قوله{عَلَى قُلُوبِهِمْ} ،وأن قوله{وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} استئناف ،والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو{غِشَاوَةً} وسوغ الابتداء بالنكرة فيه اعتمادها على الجار والمجرور قبلها .ولذلك يجب تقديم هذا الخبر ،لأنه هو الذي سوغ الابتداء بالمبتدأ كما عقده في الخلاصة بقوله:
ونحو عندي درهم ولي وطر *** ملتزم فيه تقدم الخبر
فتحصل أن الختم على القلوب والأسماع ،وأن الغشاوة على الأبصار ،وذلك في قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهه هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} ،والختم: الاستيثاق من الشيء حتى لا يخرج منه داخل فيه ولا يدخل فيه خارج عنه ،والغشاوة: الغطاء على العين يمنعها من الرؤية ،ومنه قول الحارث بن خالد بن العاص:
هويتك إذ عيني عليها غشاوة *** فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
وعلى قراءة من نصب"غشاوة "فهي منصوبة بفعل محذوف أي وَجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ كما في سورة الجاثية ،وهو كقوله:
علفتها تبنًا وماءًا باردًا *** حتى شتت همالة عيناها
وقول الآخر:
ورأيت زوجك في الوغى *** متقلدًا سيفًا ورمحا
وقول الآخر:
إذا ما الغانيات برزن يومًا *** وزجّجن الحواجب والعيونا
كما هو معروف في النحو .وأجاز بعضهم كونه معطوفًا على محل المجرور ،فإن قيل: قد يكون الطبع على الأبصار أيضًا .كما في قوله تعالى في سورة النحل:{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} الآية .فالجواب: أن الطبع على الأبصار المذكور في آية النحل: هو الغشاوة المذكورة في سورة البقرة والجاثية ،والعلم عند اللَّه تعالى .