وأن الله يجيبهم بقوله:{اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ} أي امكثوا فيها خاسئين: أي أذلاء صاغرين حقيرين ،لأن لفظة أخسأ إنما تقال للحقير الذليل ،كالكلب ونحوه .فقوله:{اخْسَئُواْ فِيهَا} أي ذلوا فيها ماكثين في الصغار والهوان .
وهذا الخروج من النار الذي طلبوه قد بين تعالى أنهم لا ينالونه كقوله تعالى{يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [ المائدة: 37] وقوله تعالى:{كَذَالِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [ البقرة: 167] وقوله تعالى:{كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا} [ الحج: 22] ،وقوله تعالى:{كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا} [ السجدة: 20] إلى غير ذلك من الآيات .
وقد جاء في القرآن أجوبة متعددة لطلب أهل النار فهنا قالوا:{رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا} فأجيبوا{اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ} وفي السجدة{رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً} [ السجدة: 12] فأجيبوا{وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنْى لاّمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} [ السجدة: 13] ،وفي سورة المؤمن{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} [ غافر: 11] فأجيبوا{ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِي اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَالْحُكْمُ للَّهِ الْعَلِىِّ الْكَبِيرِ} [ غافر: 12] وفي الزخرف{وَنَادَوْاْ يا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [ الزخرف: 77] فأجيبوا{إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ} [ الزخرف: 77] وفي سورة إبراهيم{فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} [ إبراهيم: 44] فيجابون{أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ} [ إبراهيم: 44] وفي سورة فاطر{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ} [ فاطر: 37] فيجابون{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [ فاطر: 37] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على مثل هذه الأجوبة .
وعن ابن عباس: أن بين كل طلب منها وجوابه ألف سنة والله أعلم .وقوله في هذه الآية: ولا تكلمون: أي في رفع العذاب عنكم ،ولا إخراجكم من النار أعاذنا الله ،وإخواننا المسلمين منها .