الثالث: أنه تعالى أنجى الذين آمنوا وكانوا يتّقون من الهلاك والعذاب ،وهو نبيّ اللَّه صالح ومن آمن به من قومه ،وذلك في قوله تعالى:{وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} ،وهذه الأمور الثلاثة التي ذكرها جلَّ وعلا هنا ،جاءت موضحة في آيات أُخر .
أما إنجاؤه نبيّه صالحًا ،ومن آمن به وإهلاكه ثمود ،فقد أوضحه جلَّ وعلا في مواضع من كتابه ؛كقوله في سورة «هود »:{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَمِنْ خزي يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِىُّ الْعَزِيزُ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} [ هود: 66-68] .وآية «هود » هذه ،قد بيَّنت أيضًا التدمير المجمل في آية «النمل » هذه ،فالتدمير المذكور في قوله تعالى:{أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} ،بيّنت آية «هود » أنه الإهلاك بالصيحة ،في قوله تعالى:{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ في دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [ هود: 68] ،أي: وهم موتى .وأمّا كونه جعل إهلاكه إياهم آية ،فقد أوضحه أيضًا في غير هذا الموضع ؛كقوله تعالى فيهم:{فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ في ذَلِكَ لآية وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [ الشعراء: 157-159] ،وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [ النمل: 51] ،قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر:{أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} بكسرة همزة{أَنّا} على الاستئناف ،وقرأه الكوفيون وهم: عاصم وحمزة والكسائي:{أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} ،بفتح همزة{أَنّا} .وفي إعراب المصدر المنسبك من أن وصلتها على قراءة الكوفيين أوجه ،منها: أنه بدل من عاقبة مكرهم ،ومنها: أنه خبر مبتدأ محذوف ،وتقديره هي ،أي: عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم .
وهذان الوجهان هما أقرب الأوجه عندي للصواب ،ولذا تركنا غيرهما من الأوجه ،والضمير في قوله:{مَكْرِهِمْ} ،وفي قوله:{دَمَّرْنَاهُمْ} ،راجع إلى التسعة المذكورين في قوله:{وَكَانَ في الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} [ النمل: 48] الآية ،وقوله:{خَاوِيَةٍ} حال في بيوتهم ،والعامل فيه الإشارة الكامنة في معنى تلك .