قوله تعالى:{وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ} .
الظاهر أن القول الذي وقع عليهم هو كلمة العذاب ،كما يوضحه قوله تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لأتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِني لأمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} ،ونحو ذلك من الآيات .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ} ،ظاهره أن الكفار لا ينطقون يوم القيامة ؛كما يفهم ذلك من قوله تعالى:{هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [ المرسلات: 35-36] ،وقوله تعالى:{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} [ الإسراء: 97] الآية ،مع أنه بيّنت آيات أُخر من كتاب اللَّه أنهم ينطقون يوم القيامة ويعتذرون ؛كقوله تعالى عنهم:{وَاللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [ الأنعام: 23] ،وقوله تعالى عنهم:{فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء} [ النحل: 28] ،وقوله:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً} [ السجدة: 12] الآية ،وقوله تعالى عنهم:{رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [ المؤمنون: 106-107] ،وقوله تعالى:{وَنَادَوْاْ يا مَالِكُ} [ الزخرف: 77] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات الدالَّة على كلامهم يوم القيامة .
وقد بيَّنا الجواب عن هذا في كتابنا «دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب » ،في سورة «المرسلات » ،في الكلام على قوله تعالى:{هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} [ المرسلات: 35] ،وما ذكرنا من الآيات .فذكرنا أن من أوجه الجواب عن ذلك أن القيامة مواطن ،ففي بعضها ينطقون ،وفي بعضها لا ينطقون ،فإثبات النطق لهم ونفيه عنهم كلاهما منزل على حال ووقت غير حال الآخر ووقته .ومنها أن نطقهم المثبت لهم خاص بما لا فائدة لهم فيه ،والنطق المنفى عنهم خاص بما لهم فيه فائدة ومنها غير ذلك ،وقد ذكرنا شيئًا من أجوبة ذلك في «الفرقان » و «طه » ،و«الإسراء » .