قوله تعالى عنهم:{قُرَّةُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} [ القصص: 9] ،فهذه العلّة الغائية عندهم هي التي حملتهم على التقاطه ،لتحصل لهم هذه العلّة بعد الالتقاط .
قالوا: ولما كان الحاصل في نفس الأمر بعد الالتقاط ،هو ضدّ ما رجوه وأملوه ،وهو العداوة والحزن ،شبهت العداوة والحزن الحاصلان بالالتقاط بالمحبة والتبنّي والنفع ،التي هي علة الالتقاط الغائية بجامع الترتّب في كل منهما ،فالعلّة الغائية تترتّب على معلولها دائمًا ترتّب رجاء للحصول ،فتبنّيهم لموسى ومحبّته كانوا يرجون ترتبهما على التقاطهم له ،ولما كان المترتّب في نفس الأمر على التقاطهم له ،هو كونه عدوًّا لهم وحزنًا ،صار هذا الترتّب الفعلي شبيهًا بالترتّب الرجائي ،فاستعيرت اللام الدالَّة على العلّة الغائية المشعرة بالترتّب الرجائي للترتّب الحصولي الفعلي الذي لا رجاء فيه .
وإيضاحه أن ترتّب الحزن والعداوة على الالتقاط أشبه ترتّب المحبة والتبنّي على الالتقاط ،فأطلقت لام العلّة الغائية في الحزن والعداوة ،لمشابهتهما للتبني والمحبة في الترتّب ،كما أطلق لفظ الأسد على الرجل الشجاع ،لمشابهتهما في الشجاعة .
وبعض البلاغيين يقول: في هذا جرت الاستعارة الأصلية أوّلاً بين المحبة والتبنّي ،وبين العداوة والحزن اللذين حصولهما هو المجرور ،فكانت الاستعارة في اللام تبعًا للاستعارة في المجرور ؛لأن اللام لا تستقل فيكون ما اعتبر فيها تبعًا للمجرور ،الذي هو متعلّق معنى الحرف ،وبعضهم يقول: فجرت الاستعارة أولاً في العلية والغرضية ،وتبعيتها في اللام ،وهناك مناقشات في التبعية في معنى الحرف تركناها ،لأن غرضنا بيان مرادهم بالاستعارة التبعية في هذه الآية بإيجاز .
وإذا علمت مرادهم بما ذكر ،فاعلم أن التحقيق إن شاء اللَّه هو ما قدّمنا ،وقد أوضحنا في رسالتنا المسماة «منع جواز المجاز في المنزل للتعبّد والإعجاز » ،أن التحقيق أن القرآن لا مجاز فيه ،وأوضحنا ذلك بالأدلّة الواضحة .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ} [ القصص: 8] ،أي: مرتكبين الخطيئة التي هي الذنب العظيم ؛كقوله تعالى:{مّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً} [ نوح: 25] ،وقوله تعالى:{بَلَى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [ البقرة: 81] الآية .
ومن إطلاق الخاطئ على المذنب العاصي ،قوله تعالى:{وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ} [ الحاقة: 36-37] ،وقوله تعالى:{نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [ العلق: 16] ،وقوله:{إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [ يوسف: 29] ،والعلم عند اللَّه تعالى .