قوله تعالى:{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ السُّوءَى أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} .
قرأ هذا الحرف نافع وابن كثير وأبو عمرو:{كَانَ عَاقِبَةَ} ،بضم التاء اسم كان ،وخبرها{السُّوْأَى} .وقرأه ابن عامر ،وعاصم ،وحمزة ،والكسائي:{يَظْلِمُونَ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ} ،بفتح التاء خبر{كَانَ} قدم على اسمها على حدّ قوله في «الخلاصة »:
وفي جميعها توسط الخبر ***أجز ...
وعلى هذه القراءة ف{السُّوأَى} اسم{كَانَ} ،وإنما جرد الفعل من التاء مع أن{السُّوأَى} مؤنثة لأمرين:
الأول: أن تأنيثها غير حقيقي .
والثاني: الفصل بينها وبين الفعل ،كما هو معلوم .وأمّا على قراءة ضمّ التاء فوجه تجريد الفعل من التاء هو كون تأنيث العاقبة غير حقيقي فقط .
وأظهر الأقوال في معنى الآية عندي ،أن المعنى على قراءة ضمّ التاء ،كانت عاقبة المسيئين السوأى ،وهي تأنيث الأسوإ ،بمعنى: الذي هو أكثر سوءًا ،أي: كانت عاقبتهم العقوبة ،التي هي أسوأ العقوبات ،أي: أكثرها سوءًا وهي النار أعاذنا اللَّه وإخواننا المسلمين منها .
وأمّا على قراءة فتح التاء ،فالمعنى: كانت السوأى عاقبة الذين أساءوا ،ومعناه واضح مما تقدم ،وأن معنى قوله:{أَن كَذَّبُواْ} ،أي: كانت عاقبتهم أسوأ العقوبات لأجل أن كذبوا .
وهذا المعنى تدلّ عليه آيات كثيرة توضح أن الكفر والتكذيب ،قد يؤدي شؤمه إلى شقاء صاحبه ،وسوء عاقبته ،والعياذ باللَّه ؛كقوله تعالى:{فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [ الصف: 5] ،وقوله:{في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [ البقرة: 10] ،وقوله:{بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [ النساء: 155] .
وقد أوضحنا الآيات الدالَّة على هذا في سورة «بني إسرائيل » ،في الكلام على قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} [ الإسراء: 46] .وفي «الأعراف » ،في الكلام على قوله تعالى:{فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} [ الأعراف: 101] ،وفي غير ذلك .
وبما ذكرنا تعلم أن قول من قال: إن{الْسُّوأَى} منصوب ب{أَسَاءواْ} ، أي: اقترفوا الجريمة السوأى خلاف الصواب ،وكذلك قول من قال: إن{أنٍ} في قوله:{أَن كَذَّبُواْ} تفسيرية ،فهو خلاف الصواب أيضًا ،والعلم عند اللَّه تعالى .