قوله تعالى:{اللَّهُ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً في صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [ 79 – 80] .
قد قدمنا أن لفظة جعل ،تأتي في اللغة العربية لأربعة معان ،ثلاثة منها في القرآن .
الأول: إتيان جعل بمعنى اعتقد ،ومنه قوله تعالى:{وَجَعَلُواْ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثاً} [ الزخرف: 19] أي اعتقدوهم إناثاً ،ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر .
الثاني: جعل بمعنى صيَّر ،كقوله:{حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ} [ الأنبياء: 15] وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضاً .
الثالث: جعل بمعنى خلق ،كقوله تعالى:{الْحَمْدُ للَّهِ الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [ الأنعام: 1] أي خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور .
والظاهر ،أن منه قوله هنا:{اللَّهُ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام} أي خلق لكم الأنعام ،ويؤيد ذلك قوله تعالى:{والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ} [ النحل: 5] ،وقوله:{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً} [ يس: 71] الآية .
الرابع: وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع ،ومنه قوله:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني *** ثوبي فانهض نهض الشارب السَّكِرِ
وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة ،من الامتنان بهذه النعم الكثيرة ،التي أنعم عليهم بها ،بسبب خلقه لهم الأنعام وهي الذكور والإناث ،من الإبل والبقر والضأن والمعز ،كما قدمنا إيضاحه في سورة آل عمران في الكلام على قوله: والأنعام والحرث بينه أيضاً في مواضع أخر ،كقوله تعالى:{والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [ النحل: 5 -7] .والدفء ما يتدفؤون به في الثياب المصنوعة من جلود الأنعام وأوبارها وأشعارها وأصوافها .
وقوله تعالى:{جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} [ النحل: 80] .وقوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أفلا يشكرون} [ يس: 71 -73] ،وقوله تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ في الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا في بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ} [ النحل: 66] .وقوله تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ في الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا في بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [ المؤمنون: 21-22] .وقوله تعالى:{وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ}إلى قوله:{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بهذا} [ الأنعام: 142 -144] وقوله تعالى:{وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [ الزمر: 6] الآية .وقوله تعالى:{جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً} [ الزمر: 6] الآية .وقوله تعالى:{والذي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْفُلْكِ والأنعام مَا تَرْكَبُونَ} [ الزخرف: 12] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .