قوله تعالى:{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هذه النَّارُ التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} [ 13 -14] .الدع في لغة العرب: الدفع بقوة وعنف ،ومنه قوله تعالى{فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [ الماعون: 2] أي يدفعه عن حقه بقوة وعنف ،وقد تضمنت هذه الآية الكريمة أمرين:
أحدهما: أن الكفار يدفعون إلى النار بقوة وعنف يوم القيامة .
والثاني: أنهم يقال لهم يوم القيامة توبيخاً وتقريعاً:{هذه النَّارُ التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} .
وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة جاءا موضحين في آيات أخر ،أما الأخير منهما ،وهو كونهم يقال لهم{هذه النَّارُ التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} ،وقد ذكره تعالى في آيات من كتابه كقوله في السجدة{كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [ السجدة: 20]: وقوله في سبأ{فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ النَّارِ التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} [ سبأ: 42] وقوله تعالى في المرسلات:{انطَلِقُواْ إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذي ثَلَاثِ شُعَب لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [ المرسلات: 29 -32] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .
وأما الأول منهما وهو كونهم يدفعون إلى النار بقوة فقد ذكره الله جل وعلا في آيات من كتابه كقوله تعالى:{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيمِ} [ الدخان: 47] أي جروه بقوة وعنف إلى وسط النار .والعتل في لغة العرب:
الجر بعنف وقوة ،ومنه قول الفرزدق:
ليس الكرام بناحليك أباهم *** حتى ترد إلى عطية تعتل
وقوله تعالى:{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي والأقدام} [ الرحمان: 41] أي تجمع الزبانية بين ناصية الواحد منهم ،أي مقدم شعر رأسه وقدمه ،ثم تدفعه في النار بقوة وشدة .
وقد بين جل وعلا أنهم أيضاً يسحبون في النار على وجوههم في آيات من كتابه كقوله تعالى:{يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} [ القمر: 48] ،وقوله تعالى:{الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِالْكِتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ في الْحَمِيمِ ثُمَّ في النَّارِ يُسْجَرُونَ} [ غافر: 70 -72] .
وقوله: في هذه الآية الكريمة: يوم يدعون ،بدل من قوله: يومئذ ،في قوله تعالى قبله{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [ الطور: 11] .