وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} فيه أوجه من التفسير معروفة عند العلماء كلها حق ،وبعضها يشهد له قرآن .
الوجه الأول: أن قوله كاذبة مصدر جاء بصفة اسم الفاعل ،فالكاذبة بمعنى الكذب كالعافية بمعنى المعافاة ،والعاقبة بمعنى العقبى ،ومنه قوله تعالى عند جماعات من العلماء{لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} قالوا معناه لا تسمع فيها لغواً ،وعلى هذا القول ،فالمعنى ليس لقيام القيامة كذب ولا تخلف بل هو أمر واقع يقيناً لا محالة .
ومن هذا المعنى ،قولهم: حمل الفارس على قرنه فما كذب ،أي ما تأخر ولا تخلف ولا جبن .
ومنه قول زهير:
ليث يعثر يصطاد الرجال إذا *** ما كذب الليث عن أقرانه صدقا
وهذا المعنى قد دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى:{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [ النساء: 87] الآية ،وقوله تعالى:{وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا} [ الحج: 7] ،وقوله تعالى:{رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ} [ آل عمران: 9] ،وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الشورى في الكلام على قوله تعالى:{وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [ الشورى: 7] .
الوجه الثاني: أن اللام في قوله:{لِوَقْعَتِهَا} ظرفية ،و{كَاذِبَةٌ} اسم فاعل صفة لمحذوف أي ليس في وقعة الواقعة نفس كاذبة بل جميع الناس يوم القيامة صادقون بالاعتراف بالقيامة مصدقون بها ليس فيهم نفس كاذبة بإنكارها ولا مكذبة بها .
وهذا المعنى تشهد له في الجملة آيات من كتاب الله كقوله تعالى:{لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأليم} [ الشعراء: 201] ،وقوله تعالى:{وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ في مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [ الحج: 55] .
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة النمل في الكلام على قوله تعالى:{بَلِ ادَارَكَ عِلْمُهُمْ في الآخرة بَلْ هُمْ في شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ} [ النمل: 66] ،وباقي الأوجه قد يدل على معناه قرآن ولكنه لا يخلو من بعد عندي ،ولذا لم أذكره ،وأقربها عندي الأول .