قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} .
ذكر موسى ولم يذكر معه البشرى بالنَّبي صلى الله عليه وسلم ،وذكر عيسى فذكرها معه ،مما يدل بمفهومه أنه لم يبشر به إلا عيسى عليه السلام ،ولكن لفظ عيسى مفهوم لقب ولا عمل عليه عند الأصوليين ،وقد بشرت به صلى الله عليه وسلم جميع الأنبياء ،ومنهم موسى عليه السلام ومما يشير إلى أن موسى مبشراً به قول عيسى عليه السلام في هذه الآية:{مصدقاً لما بين يدي} ،والذي بين يديه هي التوراة أنزلت على موسى .
وقد جاء صريحاً التعريف به صلى الله عليه وسلم وبالذين معه في التوراة في قوله تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً} إلى قوله تعالى:{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [ الفتح: 29] .
كما جاء وصفهم في الإنجيل في نفس السياق ،في قوله تعالى:{وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ}[ الفتح: 29] إلى آخر السورة .
وجاء النص في حق جميع الأنبياء في قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أأقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذلِكُمْ إِصْرِى قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشَّاهِدِينَ} آل عمران: 81] .
قال ابن كثير: قال ابن عباس ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه العهد لئن بعث وهو حيي ليتبعنه ،وأخذ عليه أن يأخذ على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه .ا ه .
وجاء مصداق ذلك في قصة النجاشي لما سمع من جعفر عنه صلى الله عليه وسلم ،فقال:"أشهد أن رسول الله وأن الذي نجد في الإنجيل ،وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم ،وما قاله أيضاً: والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه وأوضئه .في حديث طويل ساقه ابن كثير ،وعزاه إلى أحمد رحمه الله .
وكذلك دعوة نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ} [ البقرة: 129] .
ولذا قال صلى الله عليه وسلم:"أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أمي التي رأت".
وقد خص عيسى بالنص على البشرى به صلى الله عليه وسلم لأنه آخر أنبياء بني إسرائيل ،فهو ناقل تلك البشرى لقومه عما قبله .
كما قال:{مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} ومن قبله ناقل عمن قبله ،وهكذا حتى صرح بها عيسى عليه السلام ،وأداها إلى قومه .
وقوله تعالى:{اسْمُهُ أَحْمَدُ} جاء النص أنه صلى الله عليه وسلم له عدة أسماء ،وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم:"أنا لي أسماء أنا محمد ،وأنا أحمد ،وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ،وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب".
وبهذه المناسبة فقد ذكر"صلى الله عليه وسلم"باسمه أحمد هنا .وباسمه محمد في سورة محمد صلى الله عليه وسلم .
كما ذكر صلى الله عليه وسلم بصفات عديدة أجمعها ما يعد ترجمة ذانية من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَّحِيمٌ} [ التوبة: 128] .
وسيأتي المزيد من بيان ذلك عند قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} إن شاء الله تعالى .