قوله تعالى:{إِلاَّ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ} .
وصف الله تعالى من استثناهم من الإنسان الهلوع بتسع صفات .
اثنتان منها تختص بالصلاة ،وهما الأولى والأخيرة مما يدل على أهمية الصلاة ،ووجوب شدة الاهتمام بها .وهذا من المسلمات في الدين لمكانتها من الإسلام ،وفي وصفهم هنا بأنهم على صلاتهم دائمون ،وفي الأخير ،على صلاتهم يحافظون .
قال في الكشاف: الدوام عليها المواظبة على أدائها لا يخلون بها ،ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل .
وذكر حديث عائشة مرفوعاً"أحب الأعمال إلى الله أدومها ولو قل".
ويشهد لهذا الذي قاله قوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً} [ النور: 36 -37] وقوله:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ} [ الجمعة: 9] .
قال: والمحافظة عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ،ويقيموا أركانها ويكملوها بسننها وآدابها ،وهذا يشهد له قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} [ المؤمنون: 1 -2] .
وحديث المسيء صلاته ،حيث قال له صلى الله عليه وسلم:"ارجع فصل فإنك لم تصل "،فنفى عنه أنه صلى مع إيقاعه الصلاة أمامه ،وذلك لعدم الحفاظ عليها بتوفيتها حقها .
وقد بدأ الله أولئك المستثنين وختمهم بالصلاة مما يفيد أن الصلاة أصل لكل خير ،ومبدأ لهذا المذكور كله لقوله تعالى:{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [ البقرة: 45] فهي عون على كل خير .
ولقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ} [ العنكبوت: 45] ،فهي سياج من كل منكر ،فجمعت طرفي المقصد شرعاً ،وهما العون على الخير والحفاظ من الشر أي جلب الصالح ودرء المفاسد ،ولذا فقد عني بها النَّبي صلى الله عليه وسلم كل عنايتها ،كما هو معلوم ،إلى الحد الذي جعلها الفارق والفيصل بين الإسلام والكفر في قوله صلى الله عليه وسلم"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ،من ترك الصلاة فقد كفر ".
واتفق الأئمة رحمهم الله على قتل تاركها .وكلام العلماء على أثر الصلاة على قلب المؤمن وروحه وشعوره وما تكسبه من طمأنينة وارتياح كلام كثير جداً توحي به كله معاني سورة الفاتحة .