والنَّاشطات: قيل أصل الكلمة: النَّشاط والخفَّة ،والأنشوطة: العقدة سهلة الحل ،ونشطه بمعنى ربطه ،وأنشطه حله بسرعة وخفة ،ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"كأنما أنشط من عقال ".
أما المراد به هنا فقد اختلف فيه على النحو المتقدم تقريباً ،فقيل: الملائكة تنشط الأرواح ،وقيل: أرواح المؤمنين تنشط عند الفزع ،ولم يرجح ابن جرير معنى منها ،وقال: كلها محتملة ،وحكاها غيره كلها .
وقد ذكر في الجلالين المعنى الأول منها فقط ،والذي يشهد له السياق والنصوص الأخرى: أن كلاً من النازعات والناشطات: هم الملائكة ،وهو ما روي عن ابن عباس ومجاهد ،وهي صفات لها في قبض الأرواح .
ودلالة السياق على هذا المعنى: هو أنهما وصفان متقابلان: الأول نزع بشدَّة ،والآخر نشاط بخفة ،فيكون النزع غرقاً لأرواح الكفار ،والنشط بخفة لأرواح المؤمنين ،وقد جاء ذلك مفسراً في قوله تعالى في حق نزع أرواح الكفار{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} .وقوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} ،وقال تعالى في حق المؤمنين:{يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ 27 ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} ،وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} .
وهذا يتناسب كل المناسبة مع آخر السورة التي قبلها إذ جاء فيها:{إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} ،ونظر المرء ما قدمت يداه يبدأ من حالة النزع حينما يثقل اللسان عن النطق في حالة الحشرجة ،حين لا تقبل التوبة عند العاينة لما سيؤول إليه ،فينظر حينئذٍ ما قدمت يداه ،وهذا عند نزع الروح أو نشطها ،والله تعالى أعلم .