قوله تعالى:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً} .
نسبة هذا الفعل له تعالى قالوا إنه: من باب المقابلة كقوله:{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ} ،وقوله:{إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ 14 اللَّهُ يَسْتَهْزِئ بِهِمْ} ،وهو في اللغة ،كقول القائل ،لما سئل عن أي الطعام يريد ،وهو عارٍ يريد كسوة .
قالوا اختر طعاما نجد لك طبخة *** قلت اطبخوا لي جبة وقيمصا
وقد اتفق السلف ،أنه لا ينسب إلى الله تعالى على سبيل الإطلاق ،ولا يجوز أن يشتق له منه اسم ،وإنما يطلق في مقابل فعل العباد ،لأنه في غير المقابلة لا يليق باللَّه تعالى ،وفي معرض المقابلة فهو في غاية العلم والحكمة والقدرة ،والكيد أصله المعاجلة للشيء بقوة .
وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: والعرب قد تطلق الكيد على المكر ،والعرب قد يسمون المكر كيداً ،قال الله تعالى:{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً} ،وعليه فالكيد هنا لم يبين ،فإذا كان بمعنى المكر ،فقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان شيء منه عند قوله تعالى:{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} ،بأن مكرهم محاولتهم قتل عيسى ،ومكر الله إلقاء الشبه ،أي شبه عيسى على غير عيسى .
وتقدم قوله تعالى:{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} ،وهذا في قصة النمرود ،فكان مكرهم بنيان الصرح ليصعد إلى السماء ،فكان مكر الله بهم أن تركهم حتى تصاعدوا بالبناء ،فأتى الله بنيانهم من القواعد ،فهدمه عليهم .
وهكذا الكيد هنا ،إنهم يكيدون للإسلام والمسلمين يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم ،واللَّه يكيد لهم بالاستدراج حتى يأتي موعد إهلاكهم ،وقد وقع تحقيقه في بدر ،إذ خرجوا محادة لله ولرسوله ،وفي خيلائهم ومفاخرتهم وكيد الله لهم أن قلل المؤمنين في أعينهم ،حتى طمعوا في القتال ،وأمطر أرض المعركة ،وهم في أرض سبخة ،والمسلمون في أرض رملية فكان زلقاً عليهم وثباتاً للمؤمنين ،ثم أنزل ملائكته لقتالهم .واللَّه تعالى أعلم .