تذييل للتعجيب من استمرارهم على الكفر بعدما ظهر لهم من الحجج والآيات ،وتأييس من إيمانهم بإفادة أن انتفاء الإيمان عنهم بتقدير من الله تعالى عليهم فقد ظهر وقوع ما قدره من كلمته في الأزل .والكاف الداخلة قبل اسم الإشارة كاف التشبيه .والمشبه به هو المشار إليه ،وهو حالهم وضلالهم ،أي كما شاهدتَ حقَّت كلمة ربك ،يعني أن فيما شاهدتَ ما يبين لك أن قد حقت كلمة ربك عليهم أنهم لا يؤمنون .
وقوله:{ أنهم لا يؤمنون} بَدل من ( كلِمة ) أو ( من كلمات ) .والمراد مضمون جملة{ أنهم لا يؤمنون} .
وقرأ نافع ،وابن عامر{ كلمات ربك} بالجمع .وقرأها الباقون بالإفراد ،والمعنى واحد لأن الكلمة تطلق على مجموع الكلام كقوله تعالى:{ كلا إنها كلمة هو قائلها}[ المؤمنون: 100] ،ولأن الجمع يكون باعتبار تعدد الكلمات أو باعتبار تكرر الكلمة الواحدة بالنسبة لأناس كثيرين .
والفسق: الخروج من المسلك الذي شأن الشيء سلوكه ،والمراد به فسق عن تلقي دعوة الرسل وإعمال النظر ،وتقدم في قوله تعالى:{ وما يُضل به إلا الفاسقين} في سورة[ البقرة: 26] .
ثم يجوز أن يكون المراد بالذين فسقوا كل من استمر على فسقه فلا يؤمن ،فتكون الجملة تذييلاً لما فيها من العموم الشامل لهؤلاء المتحدث عنهم ،كقوله تعالى:{ كذلك يضرب الله الحق والباطل}[ الرعد: 17] ،ويجوز أن يكون المراد بالذين فسقوا المتحدث عنهم خاصة فيكون من الإظهار في مقام الإضمار لإفادة أنهم مع صفاتهم السابقة قد اتصفوا بالفسق ،ولإفادة كون فسقهم علة في أنْ حقت عليهم كلمة الله ،ويكون المشبه به هو الحق المأخوذ من{ حَقَّت} أي كذلك الحق حقَّتْ عليهم كلمة ربك مبالغة في ظهوره حتى أنه إذا أريد تشبيهه وتقريبه لم يشبه إلا بنفسه على طريقة قوله تعالى:{ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} في سورة[ البقرة: 143] .
وهي مع ذلك تذييل لما فيه من الفذلكة والتعجيب .