{ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ} أي مثل ذلك الذي حقت به كلمة ربك أيها الرسول في وحدة الربوبية والألوهية ، وكون الحق ليس بعده لتاركه إلا الباطل ، والهدى ليس وراءه للناكب عنه إلا الضلال ، حقت كلمة ربك أي سنته أو وعيده على الذين فسقوا ، أي خرجوا من حظيرة الحق ، وهو توحيد الألوهية والربوبية وهداية الدين الحق .ففي كلمة الرب وجهان ، لكل منهما أصل في القرآن:
أحدهما أنها كلمة التكوين ، وهي سنته في الفاسقين الخارجين من نور الفطرة واستقلال العقل الذين لا يتوجهون إلى التمييز بين الحق والباطل والتفرقة بين الهدى والضلال لرسوخهم في الكفر ، واطمئنانهم به بالتقليد والعمل ، فقوله{ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} على هذا بيان للكلمة أو بدل منها ، اقتضت سنته في غرائز البشر وأخلاقهم أنهم لا يؤمنون بما يدعوهم إليه رسلنا من التوحيد والهدى مهما تكن آياتهم بينة ، وحججهم قوية ظاهرة ، وليس معناه أنه تعالى يمنعهم من الإيمان منعا قهريا مستأنفا بمحض قدرته ، بل معناه أنهم يمتنعون منه باختيارهم ترجيحا للكفر عليه .ويؤيد هذا الوجه قوله تعالى في هذه السورة{ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ولَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [ يونس:96 ، 97] .
والوجه الثاني أنها كلمة خطاب التكليف بوعيد الفاسقين الكافرين بعذاب الآخرة ، كقوله في سورة ألم السجدة{ وأما الذين فسقوا فمأواهم النار} [ السجدة:20] وقوله في سورة غافر{ وكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [ غافر:6] ، ويكون قوله{ أنهم لا يؤمنون} على هذا تعليلا لما قبله بحذف حرف الجر ؛ أي لأنهم ، أو بأنهم لا يؤمنون .
وكل من الوجهين حق ظاهر والأول أظهر هنا .
وقرأ نافع وابن عامر ( كلمة ) في آيتي يونس وآية غافر بالجمع ( كلمات ) ، ولأجل ذلك رسمت في المصحف الإمام بالتاء المبسوطة ( كلمت ) ، ووجه قراءة الجمع أن هذا المعنى بوجهيه قد تعدد وتكرر في آيات الكتاب .