قوله:{ وإلى مدين أخاهم شعيباً} إلى قوله{ من إله غيره} نظير قوله:{ وإلى ثمود أخاهم صالحاً}[ هود: 61] الخ .
أمرهم بثلاثة أمور:
أحدها: إصلاح الاعتقاد ،وهو من إصلاح العقول والفكر .
وثالثها: صلاح الأعمال والتصرفات في العالم بأن لا يفسدوا في الأرض .
ووسط بينهما الثاني: وهو شيء من صلاح العمل خص بالنهي لأنّ إقدامهم عليه كان فاشياً فيهم حتّى نسوا ما فيه من قبح وفساد ،وهذا هو الكف عن نقص المكيال والميزان .
فابتدأ بالأمر بالتوحيد لأنه أصل الصلاح ثم أعقبه بالنهي عن مظلمة كانت متفشية فيهم ،وهي خيانة المكيال والميزان .وقد تقدّم ذلك في سورة الأعراف .وهي مفسدة عظيمة لأنها تجمع خصلتي السرقة والغدْر ،لأن المكتال مسترسل مستسلم .ونهاهم عن الإفساد في الأرض وعن نقص المكيَال والميزان فعزّزه بالأمر بضده وهو إيفاؤهما .
وجملة{ إني أراكم بخير} تعليل للنهي عن نقص المكيال والميزان .والمقصود من{ إني أراكم بخير} أنكم بخير .وإنما ذكر رؤيته ذلك لأنها في معنى الشهادة عليهم بنعمة الله عليهم فحقّ عليهم شكرها .والباء في{ بخير} للملابسة .
والخير: حسن الحالة .ويطلق على المال كقوله:{ إن ترك خيراً}[ البقرة: 180] .والأوْلى حمله عليه هنا ليكون أدخل في تعليل النهي ،أي أنكم في غنى عن هذا التطفيف بما أوتيتم من النعمة والثروة .وهذا التعليل يقتضي قبْح ما يرتكبونه من التطفيف في نظر أهل المروءة ويقطع منهم العذر في ارتكابه .وهذا حثّ على وسيلة بقاء النعمة .
ثم ارتقى في تعليل النهي بأنه يخاف عليهم عذاباً يحل بهم إمّا يوم القيامة وإما في الدنيا .ولصلوحيته للأمرين أجمله بقوله:{ عذاب يوم محيط} .وهذا تحذير من عواقب كفران النعمة وعصيان وَاهِبِهَا .
و{ محيط} وصف ل{ يوم} على وجه المجاز العقلي ،أي محيط عذابه ،والقرينة هي إضافة العذاب إليه .