عطف على جملة{ سبحان الذي أسرى}[ الإسراء: 1] الخ فهي ابتدائية .والتقدير: الله أسرى بعبده محمد وآتى موسى الكتاب ،فهما منتان عظيمتان على جزء عظيم من البشر .وهو انتقال إلى غرض آخر لِمناسبة ذكر المسجد الأقصى .فإن أطوار المسجد الأقصى تمثل ما تطور به حالُ بني إسرائيل في جامعتهم من أطوار الصلاح والفساد ،والنهوض والركود ،ليعتبر بذلك المسلمون فيقتدوا أو يحذروا .
ولمناسبة قوله:{ لنريه من آياتنا}[ الإسراء: 1] فإن من آيات الله التي أوتيها النبي آيَةَ القرآن ،فكان ذلك في قوة أن يقال: وآتيناه القرآن وآتينا موسى الكتاب ( أي التوراة ) ،كما يشهد به قوله بعد ذلك{ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}[ الإسراء: 9] أي للطريقة التي هي أقوم من طريقة التوراة وإن كان كلاهما هُدى ،على ما في حالة الإسراء بالنبي عليه الصلاة والسلام ليلاً ليرى من آيات الله تعالى من المناسبة لحالة موسى عليه السلام حين أوتي النبوة ،فقد أوتي النبوءة ليلاً وهو سار بأهله من أرض مدين إذ آنس من جانب الطور ناراً ،ولحاله أيضاً حين أسري به إلى مناجاة ربه بآيات الكتاب .
والكتاب هو المعهود إيتاؤُه موسى عليه السلام وهو التوراة .وضمير الغائب في جعلناه للكتاب ،والإخبار عنه بأنه هدى مبالغة لأن الهُدى بسبب العمل بما فيه فجُعل كأنه نفسُ الهدى ،كقوله تعالى في القرآن:{ هدى للمتقين}[ البقرة: 2] .
وخص بني إسرائيل لأنهم المخاطبون بشريعة التوراة دون غيرهم ،فالجعل الذي في قوله:{ وجعلناه} هو جعل التكليف .وهم المراد ب « الناس » في قوله:{ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس}[ الأنعام: 91] ،لأن الناس قد يطلق على بعضهم ،على أن ما هو هدى لفريق من الناس صالح لأن يَنتفع بهديه من لم يكن مخاطباً بكتاب آخرَ ،ولذلك قال تعالى:{ إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور}[ المائدة: 44] .
وقرأ الجمهور{ ألا تتخذوا} بتاء الخطاب على الأصل في حكاية ما يحكى من الأقوال المتضمنة نهياً ،فتكون ( أنْ ) تفسيرية لما تضمنه لفظ ( الكتاب ) من معنى الأقوال ،ويكون التفسير لبعض ما تضمنه الكتاب اقتصاراً على الأهم منه وهو التوحيد .وقرأ أبو عمرو وحده بياء الغيبة على اعتبار حكاية القول بالمعنى ،أو تكون ( أنْ ) مصدرية مجرورة بلام محذوفة حَذفاً مطرداً ،والتقدير: آتيناهم الكتاب لئلا يتخذوا من دوني وكيلا .
والوكيل: الذي تفوض إليه الأمور .والمراد به الرب ،لأنه يتكل عليه العباد في شؤونهم ،أي أن لا تتخذوا شريكاً تلجؤون إليه .وقد عُرف إطلاق الوكيل على الله في لغة بني إسرائيل كما حكى الله عن يعقوب وأبنائه{ فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل}[ يوسف: 66] .