يجوز أن يكون هذا بقيةً لكلام جرى على لسان عيسى تأييداً لبراءة أمّه وما بينهما اعتراض كما تقدم آنفاً .
والمعنى: تعميم ربوبية الله تعالى لكل الخلق .
وقرأ نافع ،وابن كثير ،وأبو عمرو ،وأبو جعفر ،ورويس عن يعقوب همزة{ وأَنَّ} مفتوحة فخرجه الزمخشري أنه على تقدير لام التعليل ،فإن كان من كلام عيسى فهو تعليل لقوله{ فاعبدوهُ} على أنه مقدّم من تأخير للاهتمام بالعِلّة لكونها مقررة للمعلول ومثبته له على أسلوب قوله تعالى:{ وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً}[ الجنّ: 18] ويكون قوله{ فَاعبُدُوهُ} متفرعاً على قوله{ إني عَبْدُ الله}[ مريم: 30] بعد أن أُردف بما تعلّق به من أحوال نفسه .
ولما اشتمل مدخول لام التعليل على اسم الجلالة أضمر له فيما بعد .وتقدير النظم هكذا: فاعبدوا الله لأنه ربّي وربكم .
ويجوز أن يكون عطفاً على قوله{ بالصلاة والزكواة}[ مريم: 31] ،أي وأوصاني بأنّ الله ربّي وربكم ،فيكون بحذف حرف الجر وهو مطرد مع ( أنّ ) .
ويجوز أن يكون معطوفاً على{ الحَقّ} من قوله{ قَولَ الحَقّ}[ مريم: 34] على وجه جعل{ قَولَ} بمعنى قائل ،أي قائل الحق وقائلُ إن الله ربّي وربّكم ،فإن همزة{ أنَّ} يجوز فتحها وكسرها بعد مادة القول .
وإن كان ممّا خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بأنْ يقوله كان بتقدير قول محذوف ،أو عطفاً على{ مَرْيَمَ} من قوله تعالى:{ واذْكُر فِي الكتاب مَرْيَمَ}[ مريم: 16] ،أي اذْكر يا محمد أن الله ربّي فكذلك ،ويكون تفريع{ فاعبدوه} على قوله:{ مَا كانَ لله أن يتَّخِذَ من وَلدٍ سبحانه}[ مريم: 35] إلى آخره ...
وقرأه ابن عامر ،وحمزة ،والكسائي ،وخَلف ،ورَوْح عن يعقوب بكسر همزة{ إنَّ} .ووجهها ظاهر على كلا الاحتمالين .
وجملة{ هَذا صِراطٌ مسْتَقِيم} تذييل وفذلكة لما سبقه على اختلاف الوجوه .والإشارة إلى مضمون ما تقدّم على اختلاف الوجوه .
والمراد بالصراط المستقيم اعتقاد الحق ،شُبه بالصراط المستقيم على التشبيه البليغ ،شُبه الاعتقاد الحق في كونه موصولاً إلى الهدى بالصراط المستقيم في إيصاله إلى المكان المقصود باطمئنان بال ،وعُلم أن غير هذا كبنَيّات الطريق مَن سلكها ألقت به في المخاوف والمتالف كقوله{ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}[ الأنعام: 153] .