تفريع على الوعيد المتقدم في قوله تعالى:{ وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه}[ طه: 127] .جعل الاستفهام الإنكاري التعجيبي مفرعاً على الإخبار بالجزاء بالمعيشة الضنك لمن أعرض عن توحيد الله لأنه سبب عليه لا محالة ،تعجيباً من حال غفلة المخاطبين المشركين عما حلّ بالأمم المماثلة لهم في الإشراك والإعراض عن كتب الله وآيات الرسل .
فضمائر جمع الغائبين عائدة إلى معروف من مقام التعريض بالتحذير والإنذار بقرينة قوله{ يمشون في مساكنهم} ،فإنه لا يصلح إلا أن يكون حالاً لقوم أحياء يومئذ .
والهداية هنا مستعارة للإرشاد إلى الأمور العقلية بتنزيل العقلي منزلة الحسيّ ،فيؤول معناها إلى معنى التبيين ،ولذلك عُدي فعلها باللاّم ،كما في قوله تعالى:{ أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها} في سورة الأعراف ( 100 ) .
وجملة{ كم أهلكنا قبلهم من القرون} معلّقة فعل{ يهدِ} عن العمل في المفعول لوجود اسم الاستفهام بعدها ،أي ألم يرشدهم إلى جواب{ كم أهلكنا قبلهم} أي كثرة إهلاكنا القرون .وفاعل{ يهد} ضمير دل عليه السياق وهو ضمير الجلالة ،والمعنى: أفلم يهد الله لهم جواب كم أهلكنا} .ويجوز أن يكون الفاعل مضمون جملة{ كم أهلكنا} .والمعنى: أفلم يُبيّن لهم هذا السؤال ،على أن مفعول{ يهدِ} محذوف تنزيلاً للفعل منزلة اللازم ،أي يحصل لهم التبيين .
وجملة{ يمشون في مساكنهم} حال من الضمير المجرور باللاّم ،لأنّ عدم التبيين في تلك الحالة أشد غرابة وأحرى بالتعجيب .
والمراد بالقرون: عاد وثمود .فقد كان العرب يمرون بمساكن عاد في رحلاتهم إلى اليمن ونجران وما جاورها ،وبمساكن ثمود في رحلاتهم إلى الشام .وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بديار ثمود في مسيرهم إلى تبوك .
وجملة{ إن في ذلك لآيات لأولي النهى} في موضع التعليل للإنكار والتعجيب من حال غفلتهم عن هلاك تلك القرون .فحرف التأكيد للاهتمام بالخبر وللإيذان بالتعليل .
والنُهى بضم النُون والقصر جمع نُهْيَة بضم النون وسكون الهاء: اسم العقل .وقد يستعمل النُهى مفرداً بمعنى العقل .وفي هذا تعريض بالذين لم يهتدوا بتلك الآيات بأنهم عديمو العقول ،كقوله{ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً}[ الفرقان: 44] .